مشردون يشعرون بالبرد ولا يملكون ملابس تدفئهم.. لكن ربما ما وجدوه على أشجار المدن المغربية كان كافياً
ينفُخُ هواءً ساخناً على كفَّيه ثم يفرُكُهما بقوة، قبل أن يقترب رُويداً من عمود كهربائي ليستكشف ما الذي عُلّق عليه. تفحَّص عبد الله (اسم مستعار)، مليّاً في الورقة البيضاء المُعلقة متهجياً الكلمات المكتوبة عليها، «فيكْ البَرد.. هاكْ لْبَس»، (تشعر بالبرد.. خُذ هذا اللِّباس).
هذا الشِّعار، كان بوابة مُبادرة إنسانية انطلقت شرقاً من مدينة وجدة، لتجِد لها صدى واسعاً بمختلف مناطق المغرب، خاصة وأن المملكة تشهد موجات برد قارس تجتاحُ عدداً من المناطق بجبال الأطلس والريف التي تشهد تساقطات ثلجية كثيفة.
انطلقت المبادرة منذ أربعة أسابيع وما زالت ممتدة إلى نهاية فصل الشتاء. بالنسبة لطالبة الطب مروة فريوشن، صاحبة المبادرة والمشرفة على إطلاقها فإن هذه الخطوة تروم استفادة المُحتاجين والمشردين من ألبسة شتوية دافئة، دون الحاجة إلى تعرضهم للحرج.
لا تُريد مروة ولا الشباب المُنخرطون في هذه المبادرة أن يعرفوا هُويَّات المستفيدين من المعاطف المعلقة، يكفيهم أن يأتوا صباحاً ولا يجدوا الملابس في مكانها.
أما عبد الله فلم يتأخر كثيراً في مدِّ يديه تجاه العمود الكهربائي وارتداء المعطف الدافئ ومغادرة المكان بهدوء تام.
لا يرغب شباب وشابات «فيك البرد.. هاك لبس»، سماع كلمات الشكر ولا الثناء.
فمن أهم شروط نجاح هذا العمل الخيري أن يبقى المستفيدون من فقراء ومعوزين مجهولي الهُوية، تفادياً لكل خجل أو حرج، يتزودون بملابسهم الجديدة في جنح الليل ويذهبون في حال سبيلهم متخفِّين بالظلام.
انتشار الدفء .. مساعدات في المغرب
يعلقون الملابس كي لا يحرجوهم
لم تتوقف المبادرة الأولى من نوعها بالبلاد، عند حدود مدينة وجدة، إذ سرعان ما وجدت في وسائل التواصل الاجتماعي حقلاً خصباً للانتشار بين الشباب والجمعيات التي أخذت على عاتقها جمع الملابس وتعليقها كل ليلة على أعمدة الإنارة والأشجار.
بالنسبة لمروة فريوشن، ذات الـ 17 عاماً، فإن ما نالته مبادرتها من انتشار واستحسان كبيرين فاق كل توقعاتها.
حيث سعت رفقة مجموعة من الشباب إلى التعريف بالخطوة داخل مدينة وجدة وبين سكانها، إلا أن تبني المواطنين في مدن كبرى للمبادرة جعلها تصل إلى القرى كذلك.
وفيما عمل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي على تناقل صور المبادرة، طالب بعضهم بتعميم الفكرة في مختلف المدن وهو ما حصل فعلاً.
بدر السيوري، شاب من مدينة سلا، بالقرب من الرباط، أخذ على عاتِقه مهمة التعريف بالمبادرة الخيرية ونشرها بين صفوف الساكنة، يعمد حالياً إلى جمع قطع من الملابس قصد توزيعها على المشردين.
«عدد كبير من الملابس نتخلص منها دون أن تعود بالنفع على المحتاجين، عند اطلاعي على فكرة شباب مدينة وجدة.
تحمست للأمر وعملت بدوري على التعريف بالمبادرة على موقع التواصل «فيسبوك» لإقناع ساكنة المدينة بأهمية مدنا بالملابس الشتوية لنقوم بتنظيفها وإصلاحها وإعطائها للمشردين ممن ينامون تحت الأشجار أو على جانب الطرقات» يقول بدر لـ»عربي بوست».
لطالما حزَّ في نفس الشاب المنحدر من سلا الجديدة، منظر المشردين في الطرقات يرتجفون من البرد دون مأوى يحميهم من الأمطار وموجات انخفاض الحرارة.
«بات منظر المشردين مألوفاً كل صباح وأنا أمارس رياضة الجري، وهو الأمر الذي لا يمكن ألا يثير في كل منا الرغبة في تقديم يد المساعدة».
بدر، مدرب رياضة الكيكبوكسينغ، بدأ في جمع الملابس قصد توزيعها على المحتاجين.
محاولاً في نفس الوقت أن يرسخ مبادئ العمل الجمعوي لدى الأطفال والشباب الذين يقوم بتدريبهم وزرع أهمية مساعدة الآخرين لديهم.
بعيداً عن العمل الجمعوي المنظم، عدد كبير من المغاربة اختاروا الانخراط في المبادرة بشكل فردي، ليقوموا بدورهم بتعليق الملابس على الأعمدة الكهربائية وفروع الأشجار مع وضع ورقة تسمح للمحتاجين بأخذ المعاطف ومختلف الملابس الثقيلة، عسى أن تقي مشرداً أو فقيراً برد شهور فصل الشتاء القارس.
The post مشردون يشعرون بالبرد ولا يملكون ملابس تدفئهم.. لكن ربما ما وجدوه على أشجار المدن المغربية كان كافياً appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.