مبادرة الملك محمد السادس تُتوِّج التضامن الأفريقي في مواجهة عدوى “كورونا”
تعيش أغلب الدول الغربية القوية اقتصاديا وعسكريا داخليا أو على مستوى التكتلات العالمية على إيقاع نقاشات حول إشكالية الدخول في “المرحلة الثانية”، والتي تعني بداية الخروج من إجراءات الحجر الصحي والعودة التدريجية للحياة العادية لما قبل “كورونا“.وتكمن صعوبة “المرحلة الثانية” في تحقيق معادلة الأمن الصحي بالتوازي مع الأمن الاقتصادي، لذلك خلقت أغلب تلك الدول لجانا تقنية وعلمية عهدت لها باتخاذ هذا القرار التاريخي، ليكون بذلك قرار دخول المرحلة الثانية قرارا سياسيا بامتدادات اقتصادية واجتماعية، الأمر الذي جعل الفاعل السياسي والاقتصادي يستئنسان بآراء وتقارير علمية وطبية وتقنية تفاديا لتحمل المسؤولية التاريخية وتداعياتها بشكل منفرد.
ورغم كل ما تتمتع به تلك الدول، خاصة الأوروبية، من قوة اقتصادية وبنية تحتية، إلا أن الحرب على فيروس كورونا هددت اقتصادها ورهنت مستقبلها. وقد التجأت الدول الأوروبية الأكثر تضررا من كورونا إلى الأسـرة الأوروبية للبحث عن ميكانيزمات أوروبية للاستقرار أو ما يعرف بصندوق “إنقـاذ الـدول” من أجل ضمان سيولة مالية لتجنب انهيار الاقتصاد والأسواق المالية، في ظل صخب سياسي قـوي يُهـدد مستقبل الاتحاد الأوروبي ويجعله رهين مفاوضات تحكمها أجندات اقتصادية وانتخابية (مثل تلك المرتقبة في هولندا سنة 2021 مثلا).فإذا كانت هذه حالة الدول الأوروبية المصنعة والقوية اقتصاديا، بما لها من بنية تحتية كبيرة ومختبرات طبية متطورة، فماذا عن الدول الإفريقية الغارقة في مشاكل لا حصر لها؟ خصوصا في الجانب الصحي الذي يعرف تهديدا حقيقيا بسبب فيروس كورونا على الرغم من توفر القارة على المركز الأفريقي لمكافحة لمكافحة الأمراض والوقاية منها.
ونبهت منظمة الصحة العالمية إلى خطورة انتشار فيروس كورونا في إفريقيا منذ الأيام الأولى، بالنظر إلى هشاشة المنظومة الصحية بإفريقيا، وكذا لوجود العديد من المشاكل، كالتصحر والجفاف والهجرات الجماعية والصراعات المسلحة… كما أن المنظمة ذاتها صرحت بأن الدول التي لها علاقات وثيقة بالصين ستكون الأكثر تضررا من تداعيات كورونا، وهو ما دفع برئيس منظمة الاتحاد الأفريقي الحالي Cyrix Rampatosi لتعيين أربعة مبعوثين خاصين في الأسبوع الثاني من شهر أبريل (وزير المالية السابق لنيجيريا والرئيس السابق للبنك الأفريقي وهو من رواندا، والبنكي الإيفواري الفرنسي، ووزير التجارة السابق لجنوب افريقيا) وتكليفهم بطلب مساعدات اقتصادية من المجتمع الدولي. وهي مبادرة تدخل في إطار تفعيل توصيات كل من قمة مجموعة العشرين المنعقدة في 26 مارس الماضي والاتحاد الأوروبي ومؤسسات مالية عالمية أخرى؛ وذلك “من أجل مساعدة فعالة وعاجلة” للقارة الإفريقية في زمن كورونا، فبعد أن عصفت جائحة كورونا بكل من الصين ودول أوروبا الجنوبية وأمريكا، وهددت اقتصادياتها القوية وتحالفاتها الإستراتيجية المتينة، دفع القلق بكل القادة الأفارقة والشركاء الدوليين إلى التفكير في تجنب كارثة تفشي جائحة كورونا بإفريقيا، أي انهيار الأنظمة الصحية والسلم المجتمعي والاقتصاد في دولها الهشة.
وحاول البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مع البنك الإفريقي للتنمية البحث عن إستراتيجية لضمان قروض الطوارئ من طرف مؤسسات مالية عالمية بهدف تدبير أزمات كوفيد 19 من جهة، وعدم إرهاق اقتصاد الدول الإفريقية، خاصة المتماسك منها مثل نيجيريا وأنغولا وزامبيا وجنوب أفريقيا، كما حملت كل التقارير والتوقعات الاقتصادية أخبارا غير سارة عن مستقبل إفريقيا لما بعد زمن كورونا، وحددت بعض المؤسسات المالية العالمية نسبة التراجع في 7 في المائة بالنسبة للدول الإفريقية المنتجة للبترول، و8 في المائة بالنسبة للدول الإفريقية المنتجة للمعادن، مع استحالة أداء الديون الخارجية لإفريقيا؛ وهو ما يُـبرر تعيين المبعوثين الخاصين الأربعة من طرف منظمة الاتحاد الأفريقي، وكذا تحركات رئيس الوزراء الإثيوبي الحائز على نوبل للسلام السيد “أبي احمد علي” وانضمامه إلى بابا الفاتيكان في إشكاليات الديون الإفريقية والعقوبات الاقتصادية، والدعوة إلى خلق صندوق عالمي من أجل منع انهيار الأنظمة الصحية بإفريقيا.
لكننا نود الإشارة هنا إلى ملاحظة بسيطة قـد تحمل بعض الرسائل المشفرة، وهي أن رئيس المنظمة العالمية للصحة إثيوبي، ورئيس المركز الإفريقي للأمراض المعدية والوقاية منها إثيوبي أيضا، كما أن مقر المركز الإفريقي موجود بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إلى جانب مؤسسات منظمة الاتحاد الإفريقي التي اتخذت من الحائز على جائزة نوبل للسلام، السيد “آبي احمد علي”، عـرًابـا لحملة المساعدات الدولية، وهو أيضا رئيس الوزراء الإثيوبي. ومن المستبعد أن يكون الأمر مجرد صدفة، ما يدفع إلى التساؤل حول ماهية احتكار إثيوبيا كل ما يتعلق بملف الصحة الإفريقية؟ وهل قامت الأجهزة الإفريقية بتقييم عمل المركز الأفريقي للأمراض المعدية والوقاية منها، والذي أسس على خلفيات فيروس إيبولا سنة 2015 ومدى تحقيق أهدافه في التوعية والتنسيق والوقاية وغيرها؟وبالعودة إلى المديونية الخارجية فقد شكلت هذه الأخيرة إلى جانب الأمن الصحي الهاجس الكبير للدول الإفريقية ضمن خطة إنقـاذ اقتصاديات إفريقيا، خاصة في الدول التي تنهج برامج إصلاحات اقتصادية كبرى كزامبيا، أو التي أعادت جدولة ديونها للتو كأنغولا، أو التي خرجت للتو من صراعات عنيفة دامت سنوات، أو التي عانت من الجفاف والجراد.
وتكفي قراءة تقرير اللجنة الاقتصادية لإفريقيا ليوم 16 أبريل الجاري للاقتراب أكثر من خطورة الموقف بالنسبة لكل الدول الإفريقية، حيث جاء فيه “أن أكثر من 300 ألف إفريقي قد يفقدون حياتهم بسبب فيروس كورونا، هذا في وقت تستمر جائحة كورونا في التأثير على الاقتصاديات المتعثرة في القارة التي من المتوقع أن يتباطأ نموها من 3.2 في المائة إلى 1.8 في المائة في أفضل سيناريو، ما يدفع قرابة 27 مليون شخص إلي الفقر المدقع…”.وتُضيف الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية لإفريقيا، الكاميرونية السيدة “فيرا سونغوي”، أنه “من أجل بناء الرخاء المشترك للقارة وحماية ازدهارها هناك حاجة إلى 100 مليار دولار لتوفير فضاء مالي عاجل وفوري لجميع البلدان للمساعدة في تلبية احتياجات شبكة الأمان الفورية للسكان…”.وهي قراءة لواقع العديد من البلدان الإفريقية، فنيجيريا مثلا بلد 200 مليون نسمة والغني باحتياطات مهمة من البترول، قدمت طلب قرض لدى صندوق النقد الدولي بقيمة 3.4 مليارات دولار، سيُخصص منها 82 مليون لتعزيز المؤسسات الصحية، مع وجود 87 مليون نسمة على عتبة الفقر المدقع. أما دولة جنوب إفريقيا، وهي إحدى الدول العصرية بإفريقيا، فقد تجاوز فيها عدد عمال القطاع غير المهيكل 3 ملايين نسمة وملايين من العاطلين في القطاعات المهيكلة، مع تراجع قيمة العملة المحلية إلى ربع قيمتها منذ بداية السنة الحالية.
ليس هذا فقط، فبالإضافة إلى استحالة أداء الديون الخارجية بسبب فيروس كورونا هناك إمكانية هروب الاستثمارات الخارجية، وبهذا تفقد الدول الإفريقية مصدرا مهما للعملة الصعبة؛ كما أن هناك توقعات بتدهور اقتصاديات دول إفريقية عديدة بفعل طول مدة الحجر الصحي. ولُـوحظ انخفاض وتيـرة وطرق مساعدة الدول القوية والمؤسسات المالية العالمية للقارة الإفريقية؛ فالاتحاد الأوروبي مثلا ساهم بحوالي 3.25 مليار أورو على شكل برامج سابقة، لكنها لم تكتمل أو في طور الإنجاز، كما ساهمت فرنسا من خلال الوكالة الفرنسية للتنمية بحوالي 1.2مليار أورو لفائدة 19 دولة إفريقية. أما الصين، ومثلما فعلت في سياق مساعدة الدول الأفريقية على مواجهة فيروس إيبولا خلال 2013 و2016، فقد حركت مؤسساتها ومنظماتها لتقديم مساعدات خاصة في شكل أجهزة طبية ولوجستية أو فرق طبيـة لمواجهة فيروس كورونا، حيث عززت من قنوات الدبلوماسية الناعمة أو “طريق الحرير الصحي” خاصة بالدول التي لها علاقات تاريخية معها، كالجزائر وجنوب إفريقيا وسيراليون وغينيا وليبيريا والكاميرون والكونغو وأنغولا، حيث وصلت ديون الصين لكل القارة الأفريقية 133 مليار دولار. كما قام الملياردير الصيني جاك ما، صاحب موقع “علي بابا”، بتنظيم رحلات جوية من 6 أيام لتقديم مساعدات للدول الأفريقية.