ليس كُل منتصر هو من يكتب التاريخ: من عزل محمد نجيب إلى حرب فيتنام.. تلك الكتب تخبرك عكس ما اعتدنا أن نتصور

0

عندما ذكر الكاتب الأميركي ومؤلف قصص الخيال والإثارة دان براون مقولة «المنتصر هو من يكتب التاريخ»، ربما لم يكن يعلم أن القراء سيتداولونها بشكل يجعلها أقرب للحقيقة العلمية؛ ربما دون وجه حق.

في هذا التقرير نعرض كتباً تناولت قصصاً تاريخية، لكنها من وجهة نظر الخاسر أو الطرف الأضعف في القصة. بعضها كتبه من عاشوها فعلاً والبعض الآخر أرّخه المؤرخون ليوضحوا للقارئ حقائق غائبة ودوافع لم يُلق الضوء عليها من قبل. من هذه الكتب:

1- كنت رئيساً لمصر- محمد نجيب

«إن هذا الكتاب سيعيش أكثر مما عشت.. وسيقول أكثر مما قلت»، اختار اللواء محمد نجيب هذه الجملة لتكون في مقدمة كتابه كنت رئيساً لمصر الذي يحكي فيه روايته عن أحداث ثورة 1952 على الحكم الملكي، والتي تحولت مصر بعدها إلى الحكم الجمهوري على يد الضباط الأحرار وعلى رأسهم محمد نجيب.

يتكون الكتاب من 14 فصلاً يحكي فيها محمد نجيب قصة حياته منذ البداية؛ أصول عائلته في السودان، انتقالها للعيش في مصر، رحلته في التعليم حتى وصل لدخول الكلية الحربية، مشاركته في ثورة 1919، ولقاؤه الأول بالملك فاروق.

ثم ينتقل بعدها إلي مشاركته في حرب فلسطين والتي كانت من الأسباب التمهيدية للثورة على الملك فاروق، وانطباعه الأول عن جمال عبد الناصر في حرب فلسطين، ثم انضمامه لتنظيم الضباط الأحرار الذي يسعى للإطاحة بالملك، وينتقل بعدها لكواليس الثورة وكيف كانت على شفا أن تنكشف لولا أن الله قدر لها الاكتمال.

حروب مستترة وقرارات متخبطة

لعل أهم ما يتناوله محمد نجيب في الكتاب هي مرحلة ما بعد الثورة وحكم الضباط الأحرار للبلاد من خلال مجلس قيادة الثورة الذي كان على رأسه محمد نجيب نفسه، ثم تناوله لكواليس القصص الكبيرة التي كان الشعب يعرفها على هيئة قرارات وأخبار؛ إذ لم يكن يعلم أن وراءها الكثير من الشد والجذب، بل كانت هناك حرب مستترة على طاولة اجتماعات مجلس قيادة الثورة.

فبينما كان يُعلن للشعب قوانين مثل الإصلاح الزراعي وحل الأحزاب السياسية وإلغاء الدستور وتعيين عبد الحكيم عامر قائداً للجيش وحل جماعة الإخوان المسلمين، كان رئيس البلاد -محمد نجيب- معترضاً عليها في قرارة نفسه مضطراً للقبول بها؛ لأنها صدرت من أغلبية مجلس قيادة الثورة.

محمد نجيب في نقاش مع جمال عبدالناصر تنحيته / شبكات اجتماعية

القشة التي قصمت ظهر الرئيس

«مشاعري معهم، مع الإخوان، رغم أنهم تخلوا عني وعن الديمقراطية ورفضوا أن يقفوا في وجه عبد الناصر إبان أزمة مارس، بل وقفوا معه وساندوه، بعد أن اعتقدوا خطأ أنهم سيصبحون حزب الثورة، وأنهم سيضحكون على عبد الناصر ويَطأونه تحت إمرتهم. فإذا بعبدالناصر يستغلهم في ضربي وفي ضرب الديمقراطية وفي تحقيق شعبية له، بعد حادث المنشية».

بهذه الكلمات يصف محمد نجيب علاقته بالإخوان المسلمين، والملابسات التي جعلت تنحيته وتقييد إقامته أمراً مستساغاً للشعب المصري، الذي سبق وأن رفض واستنكر قراره الأول بالتنحّي في وقت سابق. كانت حادثة المنشية التي اتُّهم فيها الإخوان المسلمون بمثابة القشة التي قصمت ظهر محمد نجيب وأنهت حياته السياسية.

كان تنحّي محمد نجيب في المرة الثانية نهائياً؛ ونقل على إثره هو وعائلته لقصر في المرج ليعيش تحت الإقامة الجبرية لمدة 18 عاماً حتى أفرج عنه الرئيس السادات بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ومات في عام 1984.

2- كل رجال الباشا (محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة) – خالد فهمي

يؤرخ خالد فهمي، الأستاذ المساعد لتاريخ الشرق الأوسط الحديث بجامعة نيويورك، في هذا الكتاب لحقبة بناء مصر وجيشها على يد محمد علي من وجهة نظر الفلاح البسيط الذي أرغم على العمل واقتيد من بيته ليساهم في الجيش بطريقة مغايرة لما تم تصديره في معظم كتب التاريخ.

خالد فهمي قدّم رواية مختلفة عن السائد / شبكات اجتماعية

فقد استحدث خالد فهمي طريقة مختلفة لعرض حقائق التاريخ عن طريق عرض الوثائق والخطابات الخاصة بالجيش المصري منذ بداية مراحل تأسيسه. ومن خلال الخطابات يستطيع القارئ أن يرى جانباً آخر لمسألة بناء محمد علي لمصر الحديثة ودوافعه لذلك.

فالأمر لم يكن مقتصراً على إرادة البناء، بل كانت هناك نية واضحة في الزهو الشخصي وتحقيق المجد الذي يخلد اسم محمد علي. هذا ما تكشفه الخطابات التي عثر عليها خالد فهمي في متاحف لندن وأرشيفاتٍ ظن المؤرخون أنها اندثرت ومُحي أثرها.

هل رحب الفلاح المصري بتجنيده في الجيش؟

يتناول خالد فهمي في كتابه أيضاً كيف كان الفلاحون يتهربون من التجنيد بشتى الطرق الممكنة؛ تارة بالهروب من المنازل حتى لا يتم القبض عليهم، وتارة بتشويه أنفسهم حتى لا يتم قبولهم في الجيش، وهو على عكس الفكرة السائدة في كتب التاريخ التقليدية بأن المصريين قد رحبوا بتجنيدهم لبناء الجيش المصري.

معاملة صعبة ومعارك عشائرية تورط فيها الجيش

ينتقل الكتاب المكون من سبعة فصول إلى طريقة معاملة الفلاحين داخل الجيش، وكيف كانت العقوبات مؤلمة والأعمال صعبة حتى ولو لم تكن مطلوبة بالفعل، لقد نُزعت من أفراد الجيش كل مشاعر الاستقلال والفردية حتى ينصاعوا لأوامر القادة، وحتى تتحقق فكرة الجيش القوي المتماسك.

أما المعارك التي اشترك فيها الجيش فيرى خالد فهمي أنها كانت معارك عشائرية رغب محمد علي من خلالها في تحقيق النفوذ لعائلته وتخليدها لقرون عديدة.

3- معارك بانزر – فون ميلنثين

كلمة بانزر Panzer هي كلمة ألمانية تعني درع، وتطلق عادة على الدبابات والمدرعات الألمانية وفرق الجيش الألماني، أما «فون ميلينثين» von mellenthin فهو ضابط ألماني شارك في الحرب العالمية الثانية كرئيس أركان في فرقة بانزر 5. يحكي ميلينثين عن تجربة الحرب العالمية وكيف كانت الحرب من وجهة نظر ضابط بالجيش، وكيف أثرت قرارات هتلر وسياسته سلباً على الجيش الذي كان يحرز تقدماً في بداية الحرب.

فون ميلينثين (يمين) يوجه أحد مساعديه / شبكات اجتماعية

صدرت الطبعة الأولى للكتاب عام 1956 باللغة الإنكليزية، ويعد الكتاب منذ ذلك الحين من أهم الكتب في قوائم كتب الحرب، فهو يشرح المعارك وتكويناتها بالتفصيل، بالإضافة إلى الخرائط ووصف المعدات الحربية التي استخدمها الألمان خاصة في معركة ستالينجراد مع الجيش السوفيتي، والتي انتهت بتراجع الجيش الألماني بقيادة هتلر.

تم إلقاء القبض على ميلينثين من قبل الجيش البريطاني عام 1954، وقضى عامين في معسكر لأسرى الحرب، ثم انتقل للعيش في جنوب إفريقيا ومات فيها عام 1997. لم يترجم الكتاب إلى العربية حتى الآن على الرغم من شهرته العالمية كأحد كتب الحرب.

4- شائعة حرب – فيليب كابوتو A Rumor of war- Phillip Caboto

في عام 1965 هبطت طائرة حربية أميركية في فيتنام وعلى متنها الصحافي والجندي في سلاح المشاة فيليب كابوتو ليشارك في الحرب بفيتنام. بعدها بستة عشر شهراً عاد فيليب كابوتو إلى أميركا، لكنه عاد شخصاً آخر تماماً.

لقد تركت حرب فيتنام آثاراً نفسية صعُب على كابوتو تجاوزها، مما جعله يكتب الرواية الأقوى عن حرب فيتنام: شائعة الحرب، والتي كتبها على شكل مذكرات لجندي شارك في الحرب.

بيع من الكتاب مليون ونصف المليون نسخة، وتُرجم إلى 15 لغة ليس من بينها العربية، وانتشر على نطاق واسع كأحد أهم الكتب الأدبية عن حرب فيتنام.

جنون الحرب يدفع الجنود لتناول المخدرات

بعض الجنود كانوا مجانين عندما وصلوا إلى فيتنام، البعض الآخر أصيب بالجنون عندما ذهب لفيتنام.

قال أحد الجنود: إنني أستمتع بإطلاق النار والقتل. وأُثار حقاً عندما أرى الرصاصة المصوبة. وقال آخر: أحب الجلوس في الخندق ومشاهدة الناس يموتون على الرغم من سوء ذلك.

بهذه العبارات استطاع كابوتو أن يصف الآثار الوحشية للحرب على جنود الجيش الأميركي.

كانت الحرب قاسية على الجنود مما دفعهم إلى اللجوء لتدخين الماريجوانا ليتمكنوا من تحمل قسوتها. حتى إن أحد الجنود كتب على حائط الخندق: أعلم أنني ذاهب إلى الجنة فقد ذهبت من قبل إلى الجحيم، فيتنام.

متظاهرين أمريكان في مسيرة مطالبة بوقف الحرب / شبكات اجتماعية

إذا أضيفت مقولة دان براون بأن الفائز هو من يكتب التاريخ إلى مقولة إبراهام لينكولن «يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت»، فإننا سنَخلُص إلى أن من يكتب التاريخ حقاً هم الكُتاب والمؤرخون.

التاريخ هو حاصل جمع حكايات ومعلومات ونتائج تتكشف للأجيال اللاحقة واحدة تلو أخرى مهما حاول البعض إخفاءها.

The post ليس كُل منتصر هو من يكتب التاريخ: من عزل محمد نجيب إلى حرب فيتنام.. تلك الكتب تخبرك عكس ما اعتدنا أن نتصور appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.

قد يعجبك ايضا

اترك رد