للمرة الأولى: عشرات الرسائل الضائعة لتجار عرب تُفتح بعد أن ظلت مخبَّأة لأكثر منذ 259 عاماً، وتحكي قصصاً إنسانية وتجارية مهمة

0

تم النشر: AST 26/09/2018 19:46 تم التحديث: AST 26/09/2018 19:46 للمرة الأولى: عشرات الرسائل الضائعة لتجار عرب تُفتح بعد أن ظلت مخبَّأة لأكثر منذ 259 عاماً، وتحكي قصصاً إنسانية وتجارية مهمة هذه الرسالة المكتوبة بالعربية من قبل تاجر في إيطاليا ، تم اعتراضها على سفينة تبحر إلى الإسكندرية الأكثر قراءة شاهد.. أردوغان يخرج من قاعة الأمم المتحدة أثناء كلمة ترمب خرائط البشر والسكان لا البلدان والجغرافيا، هي ما نحتاجه لنعرف أين يتواجد الإنسان بكثافة على ظهر الكوكب سرّب معلومات للموساد عبر ملابس نسائية، وجنّد 11 عاملاً لصالح إسرائيل.. الجاسوس الذي أوقع بين مرتضى منصور وفريد الديب ادّعوا أن أجدادهم أيرلنديون واستخدموا بيانات مشردين.. هكذا حاول بن علي وعائلته الحصول على جوازات سفر مزورة حرب عالمية باردة على الأبواب! الملاكمة التجارية مع الصين تزيد البطالة في أميركا وتوقظ التنين العسكري النائم

فتحت أخيراً رسائل ضائعة لتجار عرب كانت قد فُقدت منذ قرنين ونصف في سفن تجارية قرصنتها البحرية الملكية البريطانية في البحر المتوسط في منتصف القرن الثامن عشر، وعُثر في السفن على رسائل عربية لتجار يحكون عن قصصهم الإنسانية، وتعليمات تجارية لموظفيهم، ورسائل لأقاربهم وحتى شركائهم التجاريين وعائلاتهم في البلاد العربية.

حكاية التاجر السوري الذي يشكو من ابن أخيه المصري في إيطاليا

استل يوسف بكتي، التاجر العربي الذي يعيش في مدينة ليفورنو الساحلية في إيطاليا، ريشته وبدأ في الكتابة مرة أخرى.

كان بكتي قد أنهى بالفعل التعامل مع شحنة كان يرسلها إلى صديق وزميل تاجر في الإسكندرية، لكنَّ شيئاً آخر كان يزعجه.

فابن أخيه الذي أُرسل من مصر ليتعلم التجارة في مدينة ليفورنو بإقليم توسكانا اتضح أنه مثير للمشكلات، بعد أن شتَّتته مُتع الحياة الإيطالية.

كتب بكتي في نص عربي لصديقه في مصر: «إنَّ ما نراه أنَّ قلبه مشبوب»، ومعترفاً أنه قد «أنهكه».

وأضاف بكتي السوري قائلاً إنَّ المشكلة أنَّ أم الصبي مصرية و «الغرور والخيلاء يجريان في دمه».

وقال بكتي: «إننا نجد حالته مستعصية… وجهودي لا قيمة لها. إنَّ أحفاد المصريين لا قيمة لهم».

لم يصل هذا الخطاب لصديق بكتي أبداً؛ إذ كان قد حُمّل مع بضائع بكتي، على سفينة تجارية من توسكانا تدعى St Luigi di Gonzaga. وفي بداية شهر يناير/كانون الثاني 1759، انطلقت السفينة إلى الإسكندرية في رحلة كان من المفترض أن تكون قصيرة وغير معقدة.

لكن الفرقاطة البريطانية العسكرية استولت على السفينة والرسالة

بعد ذلك بأيام قليلة، ظهرت في الأفق أشرعة مشؤومة. كانت هذه أشرعة الفرقاطة البريطانية HMS Ambuscade، محملة بأربعين مدفعاً. لم يكن أمام السفينة الإيطالية من خيار سوى الاستسلام. وكذا فقد أُخذت الشحنة مكافأة لتباع وتقسم الأرباح بين ضباط الفرقاطة وطاقمها.

ألقيت نظرة سريعة على خطاب بكتي وحوالي 80 خطاباً آخر من تجار آخرين بالعربية، قبل أن يتجاهلها البريطانيون لأنها غير مفهومة. ومع ذلك، فقد بقيت هذه الخطابات سلمية، بشكل ما، أولاً في أحشاء مخازن الأميرالية البريطانية ثم في الأرشيف الوطني البريطاني في لندن.

والآن تعود الخطابات إلى الحياة

والآن تُقرأ هذه الخطابات للمرة الأولى منذ 250 عاماً، ففتحت الأختام ونشرت الأوراق. وتسمع شكوى بكتي، بعد وقت طويل من اختفائه هو وابن أخيه من التاريخ.

الأمر أشبه باكتشاف مقبرة كنوز قديمة

وقالت الدكتورة ميريام فاغنر، بعد أن قرأت الرسائل لأول مرة: «انتابني شعورٌ أشبه باكتشاف مقبرة توت عنخ آمون. كان شعوراً مميزاً جداً».

وفاغنر هي مديرة البحوث بمؤسسة Woolf Institute، التي تأسست عام 1998 لوضع إطار أكاديمي لمناقشة الاختلافات الدينية، ومقرها كامبريدج.

بالنسبة لهذا المشروع، فإنها تعمل مع باحث مصري شاب في مرحلة ما بعد الدكتوراه، يدعى محمد أحمد، بهدف ترجمة ودراسة مجموعة الخطابات هذه ونشرها في النهاية، مع تعليق، في كتابين.

أوراق الجائزة، أو خطابات عربية قرصنتها سفن بريطانية

هذه الخطابات جزء من مجموعة أكبر تعرف باسم «أوراق الجائزة» وهي كمية هائلة تضم حوالي 160 ألف خطاب وُجدت في آلاف السفن التي استولت عليها البحرية الملكية البريطانية أو السفن المسلحة، لا سيما القراصنة المرخصين من الحكومة، على مدى ثلاثة قرون.

هذه الخطابات التي خُزّنت في المملكة المتحدة يجري الآن تسجيلها بشكل رقمي في مشروع تديره إدارة الأرشيف والوثائق الوطنية وجامعة أولدنبورغ في ألمانيا.

نصوص وشفرات وألغاز في الخطابات القديمة

ومع ذلك، فأوراق الجائزة العربية أمرٌ منفصل، وإن كانت قد تشكل جزءاً من الأرشيف الرقمي النهائي. ويمتلئ هذا النص، حتى بالنسبة للغويّين ماهرين مثل فاغنر وأحمد، بالكلمات التي تنطوي على مفارقات تاريخية فُقدت منذ وقت طويل، وأحياناً ما تكون جزءاً من شفرة مستندة إلى اللاتينية لحماية الأسرار التجارية.

في الخطابات الأطول، عادة ما يتدهور الخط مع شعور الكاتب بالتعب. أحياناً، قد يستغرق الأمر ساعات للاتفاق على كلمة واحدة.

وقال أحمد: «ثمة كلمات لا أفهمها أنا نفسي، رغم أن اللغة العربية هي لغتي الأم. هذه الكلمات ليست حتى في القواميس».

تحتوي هذه الحزمة المغلفة بالشمع على رسائل كتبها تجار عرب

ومع ذلك فهذه الخطابات في حالة ممتازة.

وقال أحمد: «الحبر يلمع». ولما أزيلت الخطابات من الأرشيف، فتح القائمون على حفظها أختام الشمع بلطف ونشروها بعد أن ظلت 259 عاماً طيّ الكتمان.

كانت هذه الخطابات في ثلاث حزم كبيرة، كل واحدة منها موجهة إلى الوكيل الأساسي للتاجر. وداخل الحزم كانت عشرات الخطابات لتجار آخرين لتوزيعها على يد شبكات رجال البريد المحلية.

تجار مسيحيون يكتبون بلغة التجارة الدولية «العربية»

كان المرسلون تجاراً عرباً مسيحيين، لكنَّ من تاجروا معهم كانوا من ديانات مختلفة، بما في ذلك المسلمون واليهود. بعض العبارات مسيحية أو عبرية، لكنها كُتبت باللغة العربية التي كانت لغة التجارة الدولية في المنطقة تحت حكم الإمبراطورية العثمانية.

وقالت فاغنر: «هذه ومضة من الشرق الأوسط بتعدديته الثقافية المذهلة. إنَّ هذه الفكرة القائلة بأمة واحدة ودين واحد ولغة واحدة مفهوم أوروبي للغاية اقتحم الشرق الأوسط حينها. جاءت هذه الرسائل قبل حلول الزمان الذي بدأ فيه هذا النوع من التفكير في تسميم الأجواء».

حرب السنوات السبع

وقد وقعت بضائع التجار العرب ومراسلاتهم في شباك صراع عالمي يعرف الآن باسم حرب السنوات السبع.

وقد أدت هذه الحرب التي شُنت عبر القارات والمحيطات إلى ضرب القوى الأوروبية بعضها بعضاً في تحالفين كبيرين، أحدهما ترأسه بريطانيا وبروسيا، والآخر شمل فرنسا والإمبراطورية الرومانية المقدسة، ومركزها النمسا لكنَّ أراضيها شملت معظم ما يعرف الآن بهولندا.

ولم يكن التجار العرب محظوظين

كان سوء الحظ ملازماً للتجار العرب أكثر من غيرهم. أولاً استأجرت شركة تملكها هولندا سفينة St Luigi di Gonzaga واشتبه في أنها تحمل شحنة فرنسية ما أدى إلى جذبها إلى الصراع. ثانياً، شهد عام 1759 سفينة البحرية الملكية البريطانية وهي توقع سلسلة من الهزائم الساحقة بأعدائها، لتصبح أقوى سفينة في العالم.

لقطة من التجارة العالمية في منتصف القرن 18

وبالنسبة لسفينة HMS Ambuscade، التي سوف تشارك بعد وقت قليل في الانتصار على الأسطول الفرنسي في لاغوس، فقد كانت سفينة توسكان التجارية صيداً سهلاً. وتظهر السجلات أنَّ حمولة السفينة الإيطالية كانت لقطة من التجارة العالمية في منتصف القرن الثامن عشر.

كان هناك صوف من إنكلترا، وقرطم وزيت زيتون وحاوية من النبيذ. ومن جزر البهار في الشرق، كان هناك قهوة وفلفل. الأكثر غرابة كان وجود شحنة من الصبغ الأحمر، وهو صبغة حمراء تأتي من سحق حشرات توجد في المكسيك فحسب، التي كانت في ذلك الوقت مستعمرة إسبانية.

وفي رحلة العودة، كان من المفترض أن تحمل السفينة الجلود، من الجمال والثيران والجواميس، التي كانت واحداً من أهم الصادرات المصرية. وكان هناك طلب على مصائد الفئران المصرية، التي كانت على ما يبدو فعالة في التعامل مع الفئران الكثيرة على السفينة.

وتعليمات التجار لم تصل

وتشمل الخطابات تعليمات دقيقة حول موعد بيع البضائع لزيادة الأرباح إلى حدها الأقصى. وثمة معلومة أفادت بأنَّ قافلة من المقرر وصولها من الحجاز، وهي المنطقة الساحلية فيما يعرف الآن بالسعودية، سوف تزيد الأسعار أولاً، لكن من المحتمل أن تغرق السوق.

من المفترض أنَّ هذه القافلة تحمل البخور، الذي يشتد عليه الطلب في أوروبا، لكن ثمة تحذير من أنَّ ذلك البخور ربما لا يكون ذا نوعية جيدة، وأنه ربما يكون مخلوطًا بالحصى والتراب.

وقصص إنسانية مؤثرة، يمكن تخمين بقيتها

وبعيداً عن التجارة تبرز القصص الإنسانية. يشعر البعض بالقلق حول الضرر الذي قد سببه الصراع ذاته الذي أدى إلى الاستيلاء على سفينة توسكان.

تجار عرب مسلمون ومسيحيون يرجون السلام

«فيما يخص الحرب بين الإنكليز والفرنسيين، فنسأل الله أن يجلب السلام للتجار وللمواطنين. لكن الحرب مستمرة، وثمة تضخم في هذه المدينة وفي مرسيليا وفي الأراضي الإسبانية. وكل ذلك بسبب هذه الحرب».

ويخاطب التجار المسيحيون نظراءهم المسلمين بلغة راقية تراعي الحساسيات. إذ كتب المسيحي أنطون كاير، لشريكه المسلم في الإسكندرية، الحاج سعد صرارة: «أسأل الله عز وجلّ أن يُحل الرخاء والعافية بجاه جميع أنبيائه ورسله.. آمين».

وبعضها خطابات رجال الدين لإخوانهم

بعض الخطابات من رجال الدين الكاثوليك في روما، يرسلون خطابات لإخوتهم في أديرة الشرق الأوسط.

يعبّر بن جبريل الكلدان عن أسفه لوفاة أمه وأعضاء آخرين من الأسرة في ظرف عام واحد.

إذ كتب جبريل: «ماذا عساي فاعل؟ هل أبكي؟ ماذا يمكنني أن أقول أو أكتب. واأسفاه. ألا أستحق أن أظل بجانب أمي وإخوتي، لأشم رائحتهم، وأسعد نفسي بالنظر إليهم. كيف يمكنني العيش دونهم، كان ينبغي لي الذهاب للقبر قبلهم».

لكن السوري يوسف بكتي هو الأبرز

ويبرز السوري بكتي بصفته صاحب الشخصية الأكبر، لدرجة أنه أصبح الشخصية المركزية ومصدر الإلهام في رواية «ليفورنو»، التاريخية العربية كتبها د. أحمد ونشرت مؤخراً بمساعدة مبادرة الشارقة لـ1001عنوان.

يقول السوري في خطابه إنَّ عملية لإزالة حصوة في الكلى لأحد أقربائه الأصغر قد نجحت، وإنه يرسل الحصاة «في صرة لأخينا بطرس ليستطيع رؤيتها. منعنا عليه أن يأكل الطعام المغلظة للدم، مثل الجبن والسمك واللحم المملح خوفاً من تثخن الدم وعودة الحصاة مرة ثانية».

لكنَّ سلوك ابن الأخ المنفلت هو ما يستمر في شغل باله، بعد أن فرض الشاب الصغير الآن حظر تجوال.

وقال بكتي: «لا يمكنه المغادرة إلا بعد أن أعلم أين يذهب ومع مَن، بحسب القواعد الإجبارية. لكنَّ ذلك لم يفلح معه بسبب غروره وافتقاره للتواضع».

هل أصلح الشاب حاله؟ للأسف، لا تخبرنا السجلات بذلك.

اقتراح تصحيح

قد يعجبك ايضا

اترك رد