قيادة المرأة للسيارة وفتح السينما ومراكز الرقص.. على محمد بن سلمان أن يفهم أن الغايات لا تبرر الوسائل!
قد لا يؤمن الرئيس الأميركي ترمب بنظام دولي قائم على القواعد، لكننا قد نرى الآن عواقب غياب المعايير العالمية، فالروس لا يساورهم أي وخز ضمير إزاء تسميم عميل سابق في بريطانيا، وفي الآونة الأخيرة شعر الصينيون بالحرية في إخفاء بعض أبرز مواطنيهم أو احتجازهم بوسائل غير قانونية، بدءاً من رئيس الإنتربول وانتهاءً بممثلة بارزة. والآن يبدو أن السعوديين ربما قاموا بإغواء الصحافي والمساهم في صحيفة «واشنطن بوست» جمال خاشقجي إلى قنصليتهم في إسطنبول، حيث بقي مصيره في هذه المرحلة غير معروف.
في البداية، بالنظر إلى التنافس بين تركيا والسعودية ومَيل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى توجيه اتهامات لا أساس لها من الصحة، تشَكّك كاتب هذه السطور من التقارير التركية عن إرسال عملاء سعوديين لقتل خاشقجي، ولكن مع عدم قدرة السعوديين على عرض لقطات من كاميرات الأمن الخاصة بالقنصلية تصوّره يغادر المبنى، أو عدم رغبتهم في القيام بذلك، فإن إنكارهم (لما حدث) يعكس مدى البعد عن الحقيقة. وللأسف، في عالم يُعرف من خلال مبدأ «السيادة» للرئيس ترامب، قد يعتقد قادة آخرون أن لديهم رخصة للقيام بكل ما هو ضروري لحماية مصالحهم كما يحددونها.
التغيير الثوري في المملكة
واليوم، في المملكة العربية السعودية، يقوم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى جانب والده عاهل المملكة، بتعريف المصالح الوطنية السعودية، حيث يقود محمد بن سلمان التغيير الثوري في المملكة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يعمل ولي العهد على دفع التغييرات الاجتماعية والاقتصادية بقوة إلى هذا الحد؟ الجواب هو: لأن محمد بن سلمان، حتى قبل أن يصبح والده ملكاً، رأى واقعاً غير مستدام. فالكثيرون من بين حوالي 70% من سكان المملكة الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، أظهروا علامات متزايدة على الاغتراب، من بينها الانجذاب إلى تنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية». ومن الناحية الاقتصادية تأتي 87% من عائدات الحكومة من مبيعات النفط، في حين يعمل 80% من السعوديين العاملين في وظائف حكومية، ويحدث كل ذلك في الوقت الذي يستطيع فيه محمد بن سلمان رؤية تراجع عائدات النفط السعودية بمرور الوقت، مع زيادة استعمال الطاقة المتجددة والزيت الحجري والسيارات الكهربائية. أما إجابته عن ذلك فهي: تنويع الاقتصاد، وخلق المزيد من الانفتاح الاجتماعي والمرح، وإعطاء إحساس بالإمكانية للشباب السعودي.
ويعتمد «برنامج التحول الوطني» الخاص بولي العهد على نمو الصناعات الجديدة، وتنمية القطاع الخاص وتأدية النساء دوراً أكبر بكثير في اقتصاد المملكة. ووفقاً لتعريف البرنامج، تتطلب هذه التطورات إجراء تغييرات اجتماعية عميقة في المملكة. وقد تم توجيه الكثير من الاهتمام إلى قيادة النساء للسيارات، وفتح دور السينما، وقدوم فرق الرقص، وتقليص سلطة الشرطة الدينية. وفي الواقع، يستحق تطوّران آخران مزيداً من الاهتمام أكثر مما تلقّاه حتى الآن. فقد أدى تعيين محمد العيسى رئيساً لـ «رابطة العالم الإسلامي» إلى بعث رسالة قوية جديدة تتمثل في التسامح ورفض التعاليم الإسلامية المتطرفة. كما أن زيارته إلى «متحف المحرقة» في الولايات المتحدة، والتزامه بالحوار بين الأديان، ودعواته للسلام تشكل تحولاً كبيراً عن آراء أسلافه. وهو الأمر بالنسبة لقيام الملك سلمان بتعيين هيئة من كبار العلماء لمراقبة «الحديث» -أي أقوال لأحاديث النبي محمد- لجعلها متسقة مع الأوامر القرآنية حول السلام.
وبكل بساطة، إذا كانت التغييرات التي يقودها محمد بن سلمان تتحقق في الواقع، فستؤدي إلى تشويه صورة التطرف الديني، وتضع حداً للترويج لها خارج السعودية، وتُوفّق بين الإسلام والحداثة، وتوفر نموذج للتطور الذي يفتقر إليه «الشرق الأوسط العربي»، على الأقل بين الدول الأكبر مساحة. لقد أدَّى غياب مثل هذا النموذج إلى خلق فراغ تم ملؤه سابقاً من قبل العلمانيين الوطنيين المتطرفين، واليوم من قبل تنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية».
ولهذه الأسباب، كنتُ أؤيد بقوة جهود محمد بن سلمان، ولا أزال أعتقد أن لأميركا مصلحة كبيرة في نجاح «خطة التحول الوطني» وما يُعرف بـ «رؤية المملكة 2030». نعم، يواجه محمد بن سلمان مقاومة حقيقية من المؤسسة الدينية المحافظة وعناصر في العائلة المالكة. نعم، ليست هناك فرصة كبيرة لتحويل دولة متجذّرة في التقاليد الوهابية والسياسات المتفق عليها داخل العائلة المالكة إلّا من خلال قيام ثورة من قبل النخبة العليا.
وقد يعتقد محمد بن سلمان أنه يجب أن يضرب جميع عناصر المعارضة عرض الحائط، وقد أدى ذلك إلى إظهار القليل من التسامح مع المعارضة. ومن هذا المنطلق، يمكن إسكات شخصية معروفة سابقة من المؤسسة الحاكمة مثل خاشقجي، كجزء من خطة لتخويف جميع النقاد الآخرين.
الغاية لا تبرر الوسيلة
أتمنى أن يكون الأمر ليس كذلك، آمل أن يكون خاشقجي لم يفقد حياته، ويعاود الظهور قريباً. وآمل أيضاً أن يفهم محمد بن سلمان أن الغايات لا يمكن أن تبرر أي وسيلة. فإذا كان يريد بناء مجتمع قائم على المعرفة تَظهر فيه الشركات الناشئة ويزدهر فيه الإبداع، فإنه لن ينجح أبداً في القيام بذلك في جو من الترهيب والخوف. يجب أن يفهم أن بعض الأفعال تتخطى الحدود، وستكون لها عواقب بعيدة المدى بالنسبة للعلاقات الأميركية- السعودية.
أنا مسرور لأن ترمب مهتم بمقابلة خطيبة خاشقجي. ومن شأن هذه الخطوة أن ترمز إلى قلق الرئيس الأميركي وإدارته، لكن الأمر سيكون أكثر أهمية إذا اتَّخذ الرئيس إجراءً بناء على طلب مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من كلا الحزبين، لتفعيل «قانون ماغنيتسكي الدولي» -وهو التشريع المسمى في أعقاب وفاة محام روسي- في مجال مكافحة الفساد، في ظروف غامضة في سجن روسي في عام 2009.
وكان قد تم توقيفه بعد قيامه بكشف مخطط واسع النطاق للاحتيال الضريبي تورَّط فيه مسؤولون حكوميون. إن طلب مجلس الشيوخ الأميركي سيؤدي إلى إجراء تحقيق قد يُسفر عن فرض عقوبات على الأشخاص المسؤولين عن اختفاء خاشقجي.
وإذا لم يكن لدى القيادة السعودية ما تخفيه، وتهتم بمصير خاشقجي فعليها أن ترحِّب بهذا التحقيق. وما يتسم بنفس القدر من الأهمية هو أن تنفيذ هذا القانون قد يشير أيضاً إلى أن إدارة ترامب ترى قيمة احترام المعايير العالمية في النهاية.
معهد واشنطن
The post قيادة المرأة للسيارة وفتح السينما ومراكز الرقص.. على محمد بن سلمان أن يفهم أن الغايات لا تبرر الوسائل! appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.