سؤال منطقي حيّر الكثيرين: لماذا تطبع الدول أموالها في بلدان أخرى؟
سؤال محيّر يدور في أذهان الكثير منا، لماذا تطبع الدولة أموالها في بلدان أخرى؟ ولا سيما بعد أن أعلنت حكومة ليبيريا الأسبوع الماضي فقدانها 104 ملايين دولار أثناء جلبها عبر الحدود.
لم يحدث فقدان تلك الأموال بسبب أي قرار استثماري خاطئ أو بعض عمليات الاحتيال المحاسبية، بل ضاعت الأموال -نقداً- بالمعنى الحرفي للكلمة أثناء جلبها من دولة أخرى.
وبحسب شبكة BBC البريطانية كان البنك المركزي الليبيري قد طلب تلك الأموال من طابعات نقود ورقية خارج البلاد واختفت الأموال بعد المرور عبر الميناء والمطار الرئيسي في البلاد، ولا تزال الحكومة الليبيرية تحقق في الواقعة حتى الآن.
الهند تنفي قيام الصين بطباعة عملتها!
أعرب الهنود في شهر أغسطس/آب الماضي عن غضبهم على وسائل الإعلام الاجتماعية بشأن مكان طباعة النقود.
وزعم تقرير نشرته صحيفة South China Morning Post الصينية أنَّ شركة الصين المملوكة للدولة لطباعة وصك العملات الورقية فازت بعقد لطباعة الروبية الهندية، مما أثار مخاوف بشأن الأمن القومي.
ومن جانبها، نفت الحكومة الهندية ما جاء في ذلك التقرير، قائلة إنَّه «لا أساس له من الصحة» وإنَّها تطبع بالفعل جميع عملاتها في أربعة مطابع عالية التأمين.
لكن كلتا هاتين الحالتين أثارتا تساؤلاً حول ما إذا كان ينبغي علينا الاهتمام بمكان طباعة أموالنا.
هل هي ممارسة شائعة؟
تقوم بعض البلدان، مثل الهند، بعملية صناعة جميع نقودها داخل حدودها. والولايات المتحدة، على سبيل المثال، ملزمة قانوناً بطباعة نقودها الورقية داخل حدود أراضيها.
لكن بالنسبة لمعظم البلدان، فإنَّ طباعة بعض أموالهم خارج بلدانهم هي بالفعل ممارسة شائعة، في حين أنَّ دولاً أخرى مثل ليبيريا لا تملك حتى دار صك عملة خاصة بها.
شركة بريطانية تطبع أسبوعياً نقوداً أكثر مرتين من علو جبل إيفرست!
وتصنع عدد من الشركات عالية التخصص الأوراق النقدية لمعظم العملات العالمية.
وتُقدِّر شركة إنتاج الأوراق النقدية De La Rue أنَّ سوق الطباعة التجارية يُشكِّل نسبة 11% من إجمالي الأوراق النقدية المُنتَجَة.
وفي الغالب، يوجد أكبر منتجي النقود الورقية في أوروبا وأميركا الشمالية.
وتعد شركة De La Rue البريطانية، التي خسرت عقد امتياز طباعة جواز السفر الأزرق البريطاني الجديد هذا العام، أكبر شركة تصنيع العملات الورقية في جميع أنحاء العالم.
إذ تنتج عملات ورقية لحوالي 140 بنكاً مركزياً، وتنتج الشركة أسبوعياً نقوداً ورقية تكفي لتصل إلى قمة جبل إيفرست مرتين إذا تكدست فوق بعضها.
وشركة Giesecke & Devrient الألمانية هي الشركة المُنافِسة الرئيسية للشركة البريطانية، إذ تنتج نقوداً ورقية لحوالي 100 بنك مركزي، في حين أنَّ شركة طباعة النقود الكندية وشركة Crane الواقعة بالولايات المتحدة والسويد هما أيضاً لاعبان رئيسيان.
على الرغم من أنَّه نشاطٌ تجاري كبير، لكنَّه أيضاً سري إلى حدٍّ ما.
الحكومات لا تحب ذكر مكان طباعة عملتها!
تواصلت شبكة BBC البريطانية مع عددٍ من مصنعي النقود الورقية، لكنَّهم رفضوا جميعاً الإفصاح بالضبط عن أسماء البنوك المركزية التي ينتجون لها الأموال. كذلك لا تحب العديد من الحكومات التحدُّث في هذا الأمر.
ربما يكون هذا الرفض مفهوماً بالنظر إلى الغضب في الهند، الذي يُظهِر الحساسيات التي لدى بعض الناس حيال مكان طباعة عملاتهم.
لماذا لا تفعل الدول ذلك بنفسها؟
يُعَد هذا الأمر مُكلِّفاً بالأساس ويصعُب القيام به.
والشركات العاملة في طباعة النقود الورقية موجودة منذ بضع مئات من السنين، وتملك هذه الشركات تكنولوجيا متخصصة ومصداقية ودقة مُطوَّرة في مجال الأمن.
وبدأت شركة De La Rue في إنتاج النقود الورقية عام 1860 لجمهورية موريشيوس أولاً ثم لبلدانٍ أخرى.
صنعت الشركة العملة البلاستيكية الورقية الجديدة المصنوعة من البوليمر لبنك إنكلترا فئة الخمسة والعشر جنيهات.
بالنسبة للبلدان الأصغر، قد يكون من المنطقي جداً الاستعانة بمصادر خارجية في إنتاج النقود.
قد لا يستحق الأمر شراء مطابع مُكلِّفة إذا تحتاج فقط عدداً صغيراً من النقود الورقية.
ويتطلَّب الأمر مواكبة التطورات التكنولوجية السريعة لمنع التزييف.
تنتج طابعة النقود الورقية تقريباً من 1 إلى 1.4 مليار ورقة سنوياً.
فإذا أنتج البنك المركزي أقل من ذلك العدد، فالأمر لا يستحق شراء طابعة نقود من الناحية المالية.
بينما تطبع الولايات المتحدة سنوياً حوالي سبعة مليارات ورقة نقدية.
واستعانت دولة جزر سليمان الصغيرة في المحيط الهادي، التي يبلغ عدد سكانها 600 ألف نسمة، بشركة De La Rue في تصميم وطباعة عملتها.
وتُظهِر معلوماتٌ أخرى متاحة للجمهور أنَّ مقدونيا وبوتسوانا أيضاً تسندان مهمة طباعة النقود إلى نفس الشركة البريطانية.
هل من الخطر الاستعانة بمصادر خارجية لهذا الأمر؟
استندت العديد من المخاوف في الهند إلى قضايا متعلِّقة بالأمن القومي، لاسيما أن البلد ينخرط حالياً في نزاع حدودي مع الصين.
لكن هل المخاوف من الاستعانة بمصادر خارجية في عملية إنتاج النقود حقيقية؟
من الأمثلة اللافتة للنظر في ذلك الأمر هو ما حدث مع ليبيا في عام 2011. حجزت حكومة المملكة المتحدة حوالي 1.86 مليار دينار ليبي (1.35 مليار دولار أميركي) وكانت شركة De La Rue قد طبعت نحو 140 مليون جنيه إسترليني منها، مما تسبب في نقص في الأوراق النقدية بفترة العقيد معمر القذافي الأخيرة في السلطة.
لذلك في بعض الحالات، يمكن لحكومة أجنبية حجب النقود، لكنَّها نادرة، وصدمت حادثة ليبيا خبراء الصناعة لكن لم يكن لها تأثير كبير على استمرار الاستعانة بمصادر خارجية لإنتاج النقود الورقية.
من الناحية النظرية، يمكن تقويض بلد من خلال إيلاء مهمة إنتاج النقود إلى منتجين من خارج البلاد إذا طبعت الشركة المُصنعة أكثر من المبلغ المطلوب منها دون إذن البنك المركزي، وبالتالي تغرق الاقتصاد بنقود تفوق حاجته.
وقد يكون لذلك تأثير غير مرغوب فيه على الاقتصاد، مثل التضخم.
هناك أيضاً خطر أنَّ الجهة الأجنبية التي تطبع الأموال ستكون على دراية بالسمات الأمنية لنقود ورقية معينة، مما يجعل من الممكن إنتاج نقود مزورة.
ومع ذلك، لا يوجد دليل واضح يشير إلى حدوث أي من هذه الأمثلة في الوقت الحالي.
هل سنحتاج إلى المال في المستقبل على أي حال؟
في الغالب، يستخدم كثير من الناس المال بشكلٍ أقل، إذ ساهمت التطبيقات وطرق الدفع الذكية في تسهيل عدم استخدام الأوراق النقدية أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.
ويقول بنك الصين الشعبي إنَّ 10% فقط من مدفوعات مبيعات التجزئة في عام 2016 دُفعت بطريقة الدفع النقدي بسبب ارتفاع معدل استخدام تقنية الدفع عبر الهاتف المحمول.
وعلى الرغم من هذا، وفقاً لسميثرز بيرا، الخبيرة في مجال صناعة النقود، يستمر نمو الطلب على النقود الورقية في جميع أنحاء العالم. وتشير التقديرات إلى أنَّ النمو السنوي سيصل إلى 3.2% في السوق العالمية، والتي تبلغ حالياً أقل بقليل من 10 مليارات دولار.
يتحول الناس تدريجياً إلى التحول من الدفع النقدي إلى الدفع الذكي، فهل سنصل قريباً إلى مرحلة ما بعد النقود؟
The post سؤال منطقي حيّر الكثيرين: لماذا تطبع الدول أموالها في بلدان أخرى؟ appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.