روسيا وفرنسا تكونان قويتين عندما تكونان معا
يقوم الرئيس فلاديمير بوتين، يوم الاثنين 29 من مايو/أيار الجاري، بزيارة إلى فرنسا بدعوة من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون. ما الذي يمكن أن تتمخض عنه الزيارة؟
عن هذا الموضوع وغيره يتحدث الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي فردريك بونس.
يقول فريدريك بونس:
أريد في البداية القول إن الحوار الفرنسي–الروسي سيُستأنف على أسس جديدة في عهد ماكرون. وأعتقد أنه سيكون حوارا مفتوحا وثابتا وبناء. وإن دعوة ماكرون بوتين دليل على رغبته في تطبيع العلاقات مع روسيا. وهذه إشارة واضحة وقوية، وخاصة أنه أدلى بتصريحات حذرة بشأن روسيا خلال حملته الانتخابية. لكن هذا أصبح من الماضي، والمهم الآن هو اتخاذ خطوات محددة، وهذا هو الهدف من لقائهما. كذلك، يستطيع الرئيسان إقامة علاقات عمل دائمة بينهما للتداول وتبادل الآراء بشأن المسائل المهمة، مثل محاربة الإرهاب الدولي والأوضاع السورية والعلاقات الثنائية وغيرها.
ويضيف بونس أن شخصية ماكرون تتميز، كما نقول في فرنسا، بـ "عيوب تتحول إلى ايجابيات". ما المقصود بذلك؟ هو ليس لديه معلومات عميقة في المسائل الجيوسياسية الدولية، لأنه لم يولِ لهذه المسائل اهتماما في السابق. والآن أصبح ملزما بالتعمق في هذه الأمور. كما أن لديه القدرة اللازمة لاستيعاب المعلومات ووجهات النظر بسرعة، إضافة إلى مرونة التفكير والتكيف مع الظروف. لقد أعلن ماكرون بعد تنصيبه رئيسا للدولة عن تغيرات ستحصل في العديد من القطاعات، وأعتقد أنه كان يقصد أيضا تحسين العلاقات مع روسيا. ذلك، لأن من مصلحة فرنسا رفع العقوبات المفروضة على روسيا، والتي تضر كثيرا بقطاع الزراعة الفرنسي.
أما بالنسبة إلى الارهاب، فيقول بونس إن من المفيد جدا وجود تنسيق نشط بين موسكو وباريس في مجال محاربة الإرهاب؛ لأن المصالح هنا متطابقة تماما، وأن تبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية جارٍ حاليا، وأشدد على ضرورة تعزيز هذا التعاون ليشمل قطاعات أخرى.
وحول تأكيد ماكرون انتهاج سياسة خارجية تشبه سياستي سلفيه ديغول وميتران، يؤكد المحلل السياسي صحة ذلك. إذ إن هذا النهج يرافقه اتخاذ قرارات مستقلة بشأن الدول الأخرى والتعاون معها. فمن جانب مع الولايات المتحدة، ومن جانب آخر مع روسيا وسابقا الاتحاد السوفياتي، الذي كان ديغول إلى جانب التقارب معه واقامة علاقات شراكة؛ ما سمح لباريس بتجنب الاعتماد على واشنطن. فإذا سار ماكرون على هذا النهج، فسوف يؤدي ذلك إلى تصحيح الخلل في التوازن الذي حصل في عهد سلفه.
ومع أن ماكرون ينوي البقاء في الناتو، فإنه يريد أن يكون لفرنسا وزنها فيه، وأعتقد أن هذا سيؤدي إلى تحسين علاقة الحلف مع روسيا.
هذا، ويجرى لقاء اليوم بين الرئيسين بمناسبة ذكرى مرور 300 سنة على زيارة القيصر بطرس الأكبر إلى باريس وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وحول هذا الموضوع يقول بونس إن هذه علامة مهمة. فقد أسس بطرس الأكبر مدينة تحمل اسمه الآن. وفلاديمير بوتين ولد في هذه المدينة وقد انتخبه الشعب رئيسا للبلاد. والآن بعد أجيال عديدة يستمر في القرن الحادي والعشرين بمواصلة ما بدأه بطرس الأكبر، وهذه علاقة مهمة. وأذكِّر هنا بما قاله ديغول من أن "روسيا وفرنسا تكونان قويتين عندما تكونان معا". وهذا كان صحيحا حينئذ، واليوم هو صحيح أيضا.