رأي لعبدالله العور: كيف ننزع فتيل “قنبلة السيولة المؤقتة” بأسواق العالم؟ الاقتصاد الإسلامي يجيب

0

ما بريس-وكالا تU.S. Bureau Of Engraving And Printing Oversees Dollar Bill Production

استحوذت مشكلة السيولة في الأسواق وإشكالية القرارات الاستثمارية، على اهتمام الكثير من علماء الاقتصاد، فالدكتور نوريل روبيني، أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك، يقول: “مع تكديس المستثمرين للمدخرات صعبة التحويل إلى سيولة، كالسندات، تزداد إمكانية حدوث انهيارٍ اقتصادي طويل الأمد، لأن انعدام السيولة في السوق سيقود في النهاية إلى انهيارها”.

لكن حل مشكلة السيولة لا يكون من خلال سياسة توفير سيولة لفترة أطول في الأسواق للحد من التقلبات قصيرة الأجل، فهذه السياسة لم تؤدِ في الماضي إلا إلى استقرار مؤقت تتبعه موجة من التقلبات العنيفة، بالإضافة إلى تغذية الفقاعات في أسواق الأسهم والسندات والأصول المختلفة.

يحتل القطاع المالي في الاقتصاد الإسلامي مكانة متقدمة بين القطاعات الأخرى، فبحسب دوره في التمويل ودعم العملية الإنتاجية وقدرته على تنشيط حركة الاقتصاد بشكل عام، يعتبر القائد والموّجه لبقية القطاعات. وقرار الهيئات والمؤسسات المالية بدعم هذا القطاع يعني أنه في طريقه للنمو ولجذب الاستثمارات والأموال.

لكن في الوقت نفسه، يبدو القطاع المالي الأكثر هشاشةً مقارنة بغيره والأكثر عرضة للتأثر بالأزمات إذا جاءت القرارات التي تحدد نشاطاته مخالفة لتوجهات التنمية ومتطلبات الاستقرار.

من هنا تبرز أهمية المعايير والضوابط التي حددها الاقتصاد الإسلامي للقطاع المالي، فالمال في مفاهيم ومبادىء الاقتصاد الإسلامي، هو حق مكتسب لصاحبه، ومقابل للجهد والعمل الذي يقوم به الأفراد والجماعات من هيئات ومؤسسات على حد سواء. إذا جاء المال بغير عملٍ يمنح المنظومة الاقتصادية والاجتماعية قيمة إضافية في المقابل، فإن النتيجة ستكون اختلال النظام المالي بحيث تصبح السيولة الموجودة في الأسواق بدون مقابل مادي من سلع وخدمات وغيرها من صور الإنتاج الأخرى.

كما أن هذا المال الذي يعتبر حقاً شخصياً لمالكه، لا يجوز احتكاره أو اكتنازه، فهو في المحصلة النهائية، نتاج جهد عام، تشاركت فيه كافة قوى الإنتاج الاجتماعية، من عمال وحرفيين ومزارعين وموظفين بمختلف مستوياتهم، لذا لا يجوز حرمان هذه القوى الاجتماعية من عوائد استثماره مرةً أخرى. لنا أن نتخيل، لو أن أصحاب الثروات قرروا فجأةً اكتناز أموالهم، وسحبها من الأسواق، ستكون النتيجة كارثية بلا شك. من هنا، يستند الاقتصاد الإسلامي إلى جملة من المعايير التي ترقى الى مستوى القوانين في منع اكتناز الأموال والحث على تشغيلها مرةً أخرى.

ولا يقتصر اكتناز المال على صورة واحدة، وهي حجبه عن الأسواق، بل تشمل أيضاً القرارات الاستثمارية التي يجب أن تكون موزعةً على كافة القطاعات حسب حجمها ومتطلبات النمو فيها، فالاستثمار طويل الأجل في قطاعات غير قابلة للتسييل السريع مثل العقارات على سبيل المثال، تحجب السيولة عن الأسواق، كذلك الاستثمار في السندات التي قد يخشى البعض بيعها عند حدوث هزات اقتصادية حتى لو كانت مؤقتة.

ولضمان منع حدوث هكذا مشكلات، فإن الهيئات المرجعية التي تتابع تطبيق معايير الاقتصاد الإسلامي في الاستثمار، تحرص على توزيع الاستثمارات على كافة القطاعات، وكذلك تحرص على صياغة أولويات الاستثمار بحيث تراعي الحاجات البشرية الأساسية وتوجهات الأسواق، وتضمن الموازنة بين هذين العاملين وبقاء السيولة متاحة وناشطة.

من ناحية ثانية، تحرص الهيئات المرجعية لمعايير الاقتصاد الإسلامي، على توجيه السيولة نحو إحداث تقدم دائم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فليس من المنطق توجيه كمّ هائل من السيولة إلى قطاع الخدمات مثلاً، بينما تعاني القطاعات الإنتاجية من ضعف في التمويل، أو تعاني قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية من اختلالات ناتجة عن غياب الدعم أو ارتفاع أسعار هذه الخدمات.

 إن إحدى المشكلات الاقتصادية التي أسست للعديد من الأزمات، تتمثل بوجود عالمين متوازيين، عالم المال الذي يبدو نشطاً ومعافىً للوهلة الأولى، وعالم السلع والأصول والخدمات التي يصعب الحصول عليها من قبل ذوي الدخل المتدني، الأمر الذي أخرج نسبة كبيرة من قوى الاستهلاك من نطاق التداول، وأسس لركود في الأسواق، هذا الركود الذي يعانيه الاقتصاد العالمي حالياً والمتمثل بتدني الطاقة الإنتاجية في الاقتصادات الكبيرة مثل الصين. لذا فإن التنمية الشاملة التي تعتبر غاية الاقتصاد الإسلامي، هي تلك التي تتيح لجميع الفئات الاجتماعية فرصة الوصول للسلع والخدمات المعروضة في الأسواق، وتمنع الاختلال بين قطاعات الاقتصاد وتوزع الاستثمارات لتشملها جميعاً.

وبما أنه بات واضحاً أن اليد الخفية للسوق التي راهن عليها آدم سميث- أب الاقتصاد الحديث وصاحب كتاب: “ثروة الأمم”-  في صنع التوازن والاستقرار قد تعبت كما أثبتت السنوات الماضية، فإن الاقتصاد الإسلامي يعتمد عدة مبادىء لإدارة السيولة والقطاع المالي. باختصار، على السيولة أن تكون قيمة ينتجها العمل، وقيمة تنتج السلع والخدمات في المقابل، فالنقود وحدها بدون عملية الإنتاج عقيمة ولا تلد نقوداً أخرى عبر اكتنازها، بل قد تتناقص وتختفي باختفائها عن ساحة العمل. كما أن السياسات والقرارات الاستثمارية للشركات والأفراد يجب أن تتم تحت مظلة من المعايير والضوابط التي تحدد اتجاهاتها والقطاعات التي تستهدفها، كما تحدد أولويات الإنتاج وتسعى لتعميم لفائدة التي تتجلى بصورة التنمية الشاملة.

وبناءً عليه، فإن نزع فتيل قنبلة السيولة المؤقتة، يحتاج إلى توظيف السيولة في مشاريع إنتاجية حقيقية، ولا ضير بأن تكون هذه المشاريع تحت الرعاية العامة، المهم أن تحقق هذه السيولة أمرين مهمين: خلق سوق عمل متنامٍ ومستدام، وتحقيق عوائد على الإنتاج تفوق بكثير نسبة عوائد السندات المستخدمة في تمويلها.

قد يعجبك ايضا

اترك رد