حكايتي مع فريدا كاهلو!
«إنها كانت ترتدي اللون، وهو كان مَن يرى اللون» دييغو ريفيرا.
في ذكرى ميلاد الرسامة المكسيكية فريدا كاهلو (6 يوليو/تموز 1907، 13 يوليو 1954)، لا نملك إلا استشعار الجمال، والتساؤل كيف يمكن للحب أن يعمّق الشعور بالجمال؟ وكيف يمكن أن يحرك الألم كل هذه المشاعر داخل فريدا كاهلو؟ كان الجمال هو الوميض الذي يحركها نحو الحب، حتى وإن لم يكن الآخر جديراً به، فهو استطاع ولادة سيل من الإبداع لا مثيل له، من قلب كل تلك المأساة والألم.
تعد فريدا كاهلو واحدة من أكثر الشخصيات أهمية في الثقافة المعاصرة، وُلدت في إحدى ضواحي المكسيك عام 1907، حيث أصيبت بشلل الأطفال في السادسة من عمرها، ثم تعرضت إلى حادث سير مفجِع أدى إلى حدوث كسور عديدة في كامل جسدها، أجرت على أثر ذلك الحادث ما يقارب من 32 عملية؛ لتستطيع العودة إلى المشي، وخلال هذه الفترة قضت كاهلو حياتها طريحة الفراش، تعاني من انتكاسات متكررة من الألم الجسدي والنفسي الناتج عن ندوب في جسدها، وترك حبيبها الأول أليخاندرو إريس لها، مما دفع كاهلو إلى رسم معاناتها، وإسقاط حزنها على اللوحات، في كل لوحة كانت تحكي قصة من قصص العذاب، كانت تحكي عن عالمها الداخلي الذي لم يستطِع فهمه سوى «دبيغيو ريفيرا»، من أشهر رسامي المكسيك في القرن العشرين آنذاك، وهو زوج فريدا كاهلو.
عزيزي دييغو:
«لا شيء يقارن مثل يديك، لا شيء يشبه الذهب الأخضر في عينيك، جسدي ممتلئ بك لأيامٍ، وأيامٍ، أنتَ مرآة الليل». فريدا كاهلو
في عام 1929 تزوجت فريدا كاهلو من ريفيرا؛ حيث جمعتهما قصة حب غريبة بعد رعايته لها في بداية مشوارها الفني، ثم الوقوع في حبه، كانت فريدا تحب زوجها وتخلص له من كل قلبها، أما ريفيرا المُلّقب بزير النساء، لا يلبس أن ينتهي من مغامرة مع امرأة حتى يبدأ مع أخرى، كان يبرر لها باستمرار أنه لا يستطيع أن يكون وفياً لها، فهو يفتقد صفة الإخلاص، هكذا ببساطة، ولكنه يحبها في نفس الوقت وهذا ما جعله يتزوجها.
ريفيرا له أفكاره الخاصة تجاه الحياة والآخرين، خاصة أنه كان له نشاط سياسي، واتهمه الكثير بأنه عبد للسلطة، ولكنه في إحدى جدارياته التي رسمها في أميركا إلى مؤسسة تابعة للحكومة متضامناً مع الاشتراكية الشيوعية؛ حيث رسم أحد أوجه شخصياته «لينين تروكستي»، من أبرز زعماء ثورة أكتوبر/تشرين الأول في روسيا عام 1917، وناشط في الحركة الشيوعية، وهذا بالطبع أثار ذعر السلطة الرأسمالية، برئاسة «ستالين»، وقال حينها: «أنا أرسم من أجل الشعب»، فتم الرد عليه: «أنت ترسم من أجل الشعب على حائط الحكومة»، وقاموا بانتزاع الجدارية تماماً ثم عاد بعدها منزعجاً إلى موطن زوجته في المكسيك مرة أخرى، بالإضافة إلى كونه ملحداً، ولا يؤمن بفكرة الزواج، وخاصة أنه سبق له تجربتها وفشل، إلا في حالة واحدة فقط هو أن يقابل امرأة غير عادية! تأسره بإحساسها ورقة مشاعرها، وأطوارها الغريبة.
جرأة فريدا كاهلو هي ما جعلت ريفيرا ينجذب إليها، كانت تمتلك فناً متميزاً، استطاعت أن تعبر عن ذاتها بطرق قاسيه، انبثقت من عينيها قوة رغم إعاقتها، وشللها عن الحركة، من مرحلة الطفولة مروراً بالحادث، والتشوهات التي وصمت جسدها، والخذلان المستمر التي لاقته من الآخرين، وهي ما جذبت ريفيرا إليها، كما قال: «إن لعينيها قوة المجهر، ولعقلها قوة آلة تصوير أشعة إكس»، وعلى الرغم من نزوات زوجها المستمرة فإنها كانت لا تستطيع أن تعيش من دونه، وكانت تتجاوزها جميعاً، وذلك لأن قدرتها على حب ريفيرا كانت عميقة متأصلة في داخلها، وهو ما خلق عالم الجمال الذي ذابت فيه فريدا كاهلو، وظلت تعبر عن مخاوفها في لوحاتها التي ما زالت تثير الجدل إلى الآن، حول تصنيفها كفن سيريالي، وهذا ما رفضته فريدا، وردت قائلة: «أنا لا أرسم الأحلام أو الكوابيس، أنا أرسم واقعي الخاص».
تحمَّلت فريدا الكثير من قبح ريفيرا إلى أن حدث ما قلب حياتها رأساً على عقب، وهو خيانته مع أختها كريستينا، وحينها قالت لريفيرا: «إن أسوأ شيئين حدثا لي في حياتي هما حادث السير ومعرفتي بك»، ومن هنا كرد فعل على ما شعرت به كاهلو، كانت لوحة «فريدتان اثنتان»، هي وصف لمرارة شعورها بالخذلان والألم، مباشرة بعد طلاقها من ريفيرا عام 1939، بعد عشر سنوات عاشا فيها يجمعهما الحب والألم، في هذه الرائعة الفنية تظهر ازدواجية شخصيتها؛ حيث رسمت نفسها مرتين، مرة قبل الطلاق بما كانت تحمله من الوفاء والحب لريفيرا، ومرة غارقة بالدماء، وتشبك يدها بالأخرى دلالة على أنه لم يكن لها رفيق في محنتها سوى نفسها.
لا أستطيع وصف مشاعري حين التقت عيني أول مرة بعين فريدا كاهلو في لوحتها «الجذور» المليئة بالألم، كانت أول معرفه ليّ بفريدا، منذ عام تقريباً، من بين كل اللوحات الفنية في الفن المعاصر، لم أشعر بمثل هذا الدفء الذي تمنحه لي لوحات كاهلو، حينما أنظر إلى عين فريدا أستطيع رؤية الليل، والرجوع إلى الماضي.
أشعر بأن الكون يتسع ليتحول إلى نظرات فريدا وأشياء أخرى عديمة القيمة، ظلت عين فريدا تطارد ذاكرتي شهوراً كثيرة، لا أعلم كيف أمحو نظرتها من خيالي، وكيف أنسى رواسب مشاعري حينما أتأمل أعمالها، حاولت كثيراً أن أكتب عنها، ولكني فشلت؛ لأني لم أستطع أن أجسد جزءاً من الألم الذي رأيته خلال لوحاتها، ليس الألم فقط، إنما القوة النابعة من الألم.
وفي يوم السادس من يوليو الماضي جاءت ذكرى ميلاد فريدا كاهلو نابضة بداخلي ميلاد نفس الشعور الذي لا أستطيع أن أتخلص منه، فحاولت الكتابة عن حياتها، لم يكن هدف مقالي هو سرد قصة حياة كاهلو كاملة وبأدق التفاصيل، ولم أستطِع سرد كثير من الأحداث المهمة في هذا المقال؛ لأن هدفي الأول كان التخلص من نبش ذاكرتي لشبح فريدا كاهلو، وذلك بمشاركة القرّاء في رقة مشاعر فريدا، والتركيز على أكثر الجوانب تأثيراً في تكوينها وهو الحادث وزوجها ريفيرا، ولكونها إنساناً واجه الكثير من المعاناة، واستطاع تحويل تلك الآلام إلى أعمال إبداعيه لها طابع خاص، وربما هذا المقال يفتح أبواباً لغير الدارسين أو غير المهتمين بالفن للدخول فيه من باب الفضول كما قال جبرا إبراهيم جبرا إن «الفن يشير إلى تحرر الإنسان في ساعات إبداعه ليعطي مذاق الحرية للآخرين إلى الأبد».
تتلخص حياة فريدا كاهلو بعد بتر ساقها اليمنى إلى الركبة، وما حدث في علاقتها بريفيرا، و موتها عام 1954 عن عمر يناهز47 عام، في ملحوظة أخيرة وجدت بجانبها :»أرجو أن يكون خروجي من هذه الحياة ممتعاً، وأرجو ألا أعود إليها ثانية».
المقالة حكايتي مع فريدا كاهلو! ظهرت أولا في عربي بوست — ArabicPost.net.