تراجُع نِسب الزواج في الولايات المتحدة أمام ارتفاع تكاليف المعيشة
رغم كونها أكبر اقتصاد في العالم فإن الولايات المتحدة ما زالت تعاني من بعض المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها معظم الدول النامية والفقيرة، ويأتي على رأس تلك المشاكل، تراجع نسب الزواج بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، وتدني مستويات الدخل، حيث بات الزواج بالنسبة لشريحة كبيرة من الأميركيين، من الطبقة الوسطى، رفاهية أكثر منه أمرا أساسيا.
ووجد استطلاع أجراه مركز أبحاث بيو، غير الحزبي، أن أكثر من نصف الأميركيين الذين يعيشون مع شركاء لا يستطيعون الزواج بسبب الظروف المالية. وتراجعت أولوية الزواج عند الشباب الأميركي إلى المرتبة الثانية أو الثالثة، حيث يتجه معظمهم حالياً إلى بدء حياتهم المهنية أولاً، أو على الأقل الحصول على وظائف آمنة، وادخار بعض المال، قبل التفكير في الزواج.
ويقول دانييل شنايدر، أستاذ مساعد في علم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا، إن «الظروف الاقتصادية لا تزال، حتى في الاقتصاد الجيد، صعبة للكثير من الأميركيين العاملين. هذا لا يساعدك على الشعور بأنك يمكن أن تتزوج، أو بالنسبة للأشخاص الذين يرغبون في الزواج منك».
ويعاني 60 في المائة من متوسطي الدخل في الولايات المتحدة من انخفاضات حادة في معدلات الزواج، على مدى العقود الأربعة الماضية، مقارنة بالأشخاص مرتفعي الدخل، الذين يستطيعون شراء منازل، وصل دخلهم إلى أكثر من مليون دولار، وفقاً لتحليل «وول ستريت جورنال». ويتراوح متوسط دخل الأسرة المتوسطة من 25 ألف دولار إلى 125 ألف دولار، طبقاً لإحصاء 2018.
وتقول أستاذة علم الاجتماع، سوزان براون «لقد تغير معنى الزواج، ويُنظر إليه الآن على أنه هذا الإنجاز الأول بمجرد تحقيق كل هذه المعالم المهمة الأخرى. ويشبه إلى حد بعيد سلعة فاخرة، لا يمكن اقتناؤها إلا من قِبل الأشخاص الذين لديهم أعلى الموارد في المجتمع».
وأرجع الباحثون السبب الأول في صعوبة الزواج إلى تدني مستويات الأجور بين العاملين الأميركيين، وغياب الكثير من وظائف التصنيع، التي تزامنت مع صعود الاقتصاد الصيني، وهرب الكثير من الشركات والمصانع إلى آسيا بحثاً عن العمالة الرخيصة. أدى كل ذلك إلى تآكل الأمن المالي الذي ساعد الأجيال السابقة من الأميركيين من الطبقة العاملة على تكوين أسر متزوجة. وكان التراجع في الزواج واضحاً في المناطق الحضرية، حيث تلاشت وظائف التصنيع بشكل كبير، وانخفضت بنسبة 40 في المائة منذ عام 2000.
وطبقاً لإحصاء عام 2018، تراجعت حالات الزواج بين الأميركيين أصحاب الدخل المتوسط بنسبة 16 في المائة في عام 2018، مقارنة بعام 1980، بينما بلغت نسبة التراجع بين أصحاب الدخل المرتفعة 4 في المائة فقط، حيث وصلت نسبة المتزوجين من هذه الطبقة إلى 60 في المائة في عام 2018، مقارنة بـ64 في المائة في عام 1980.
من ناحية أخرى، تراجعت حالات الزواج بين البالغين المتعلمين حتى الشهادة الثانوية بنسبة 19 في المائة منذ عام 1980، بينما انخفضت 8 في المائة بين الحاصلين على شهادة بكالوريوس لمدة أربع سنوات. وأظهر الإحصاء أن نسبة الزواج بين الأميركيين الحاصلين على درجة جامعية تصل إلى الثلثين، مقارنة بنحو النصف بين الحاصلين على تعليم ثانوي. ويرجع السبب في ذلك إلى زيادة دخول أصحاب الشهادات الجامعية مقارنة بالحاصلين على تعليم ثانوي.
وأظهر بحث أجراه البنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، أن نسب الثروة تصل إلى أربعة أضعاف بين الأشخاص المتزوجين، الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عاماً، مقارنة بالشركاء، من الفئة العمرية نفسها، الذين يعيشون معاً، لكن من دون زواج، ويعكس هذا الانقسام جانبا آخر من فجوة الدخل في البلاد. ووجد البحث أن صعوبة الظروف المالية تعدّ أهم الأسباب التي يستند إليها الكثيرون في عدم الزواج، مشيراً إلى أن واحداً من كل أربعة آباء لديهم أبناء يعيشون مع شريك خارج الزواج.