اليمن هو أسوأ كارثة إنسانية حالية .. هذه هي الوسيلة الوحيدة لإنقاذه
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أن اليمن يُمثل أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وذلك للعديد من الأسباب الوجيهة: فقد أشار غوتيريس إلى أنه في خِضَمّ الحرب الأهلية الدائرة هناك، يواجه 8.4 مليون يمني خطر المجاعة، ويموت طفلٌ دون سن الخامسة كل 10 دقائق لأسباب يُمكن تفاديها. ومنذ أن أدلى بهذه التعليقات في أبريل/نيسان الماضي، ازدادت الحالة تدهوراً. وفي الآونة الأخيرة، انهارت أول مُحادثات سلامٍ تُعقَد منذ عامين.
يتعين على المجتمع الدولي أن يتعلم من هذا الدمار الناتج. ولِتجنُّب حدوث كوارث جديدة مثل تلك التي وقعت في اليمن أو سوريا أو العراق، ينبغي علينا أن نمنع العنف قبل أن يندلع. يُمكننا تحقيق ذلك من خلال مساعدة المجتمعات المُعرّضة للخطر على النهوض بأساليب الحُكم وتعزيز النمو الاقتصادي العادِل وحماية الموارد الطبيعية.
في حالة اليمن، أدى المزيج السامُّ من التهميش السياسي والمعاملة غير المُنصِفة وانتهاكات حقوق الإنسان إلى اشتعال التوترات، كما أدى أيضاً إلى ظهور الجماعات المتطرفة العنيفة. وقد أدركت الحكومة الأميركية هذا التهديد، بحلول عام 2011، وكرست ما يقرُب من 55% من المساعدات التي تقدمها لليمن لدعم جهود مكافحة الإرهاب. إلا أن البرامج الرامية إلى تعزيز أساليب الحكم الرشيد، وتقوية المجتمع المدني، ودعم بناء التوافق السياسي، لم تلق سوى 1% من إجمالي المساعدات الأميركية المُقدَّمة إلى اليمن. وقد زاد الفشل الاقتصادي والصعوبات المرتبطة بالمناخ من المشاكل المُتنامية، مما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية في اليمن في عام 2015.
لا تُعد هذه العلامات التحذيرية المُبكرة التي ساهمت في اندلاع الحرب الأهلية فريدة من نوعها بالنسبة لليمن، وينبغي أن نحذَرَ منها في جميع أنحاء العالم. وفي الواقع، تتعقب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذه المؤشرات، وتجمعها في تقرير سنوي يُستَرشَد به في المجالات التي تشتد فيها الحاجة إلى الجهود الإنمائية لمنع نشوب الصراعات. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، ظهرت 27 دولة ضعيفة بشكل مزمن على كل قائمة، ويرزح أكثر من نصف تلك الدول في الوقت الراهن أو في الآونة الأخيرة تحت وطأة الصراعات. وعلى المستوى العالمي، يعيش ما يقرب من 1.8 مليار شخص في ظروف غير مستقرة. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 2.3 مليار شخص بحلول عام 2030.
تعملُ منظمة ميرسي كوربس Mercy Corps، في معظم هذه الدول الضعيفة بشكل مزمن، وتقوم بتنفيذ 36 برنامجاً لمعالجة الأسباب الجذرية للصراعات. تُقَدِّم برامِجُنا وأبحاثُنا المُستفيضة دليلاً قاطعاً على أن الاستثمارات الرامية إلى منع العنف والتخفيف من حدة الصراعات تحقق الكثير من الفوائد المادية الناجمة عن السلام.
تمكنت محادثات السلام المجتمعية من وقف العنف لمدة 11 شهراً في مقاطعتَي غرب بوكوت وتوركانا في كينيا- حيث يؤدي التنافس على المراعي والمياه في كثير من الأحيان إلى نشوب صراعات بين شعبي البوكوت والتوركانا- مما يمثل أطول فترة ممتدة للسلام بين هاتين المجموعتين خلال أكثر من عقدين. وفي نيجيريا، وبالتحديد في منطقة الحزام الأوسط Middle Belt التي تتسم بالكثير من التقلبات، تمكن أكثر من 900 من قادة المجتمعات المحلية من إيجاد حلول لأكثر من 500 نزاع بعد أن تلقوا الدعم لبناء المهارات اللازمة للتفاوض على حل النزاعات. وفي أماكن أخرى، من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى العراق، شَهِدنا أمثلة هامة وواعدة لقادة المجتمعات المحلية يجتمعون معاً ويقومون بإيجاد حلول للنزاعات التي كانت لِتَؤول إلى أعمال عنفٍ لولا هذه الاجتماعات.
استنتج معهد الاقتصاد والسلام أن كل دولار يُنفَق على جهود بناء السلام يمكن أن يقلل من تكاليف الصراعات بمقدار 16 دولاراً. وتشير أبحاث أُخرى إلى أن الاستثمار في الجهود الرامية إلى منع نشوب الصراعات أقل تكلفة بمعدل 60 مرة، في المتوسط، من التدخل العسكري وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع. وعلى الرغم من الأدلة المتزايدة التي تشير إلى أن منع نشوب الصراعات هو البديل الذكي والإنساني والفعال لجهود الاستجابة بعد انتهاء الصراع، فإن الاستثمار العالمي في تدابير المنع لا يزال غير كافٍ. (يمكن أن يخرج من هذه الفقرة عنوان جيد)
ووفقاً لتحليلاتنا الخاصة، لم تتجاوز المساعدات الإنمائية الرسمية للبُلدان الضعيفة في عام 2016 نسبة 2%. وفي هذا العام، دعا غوتيريس إلى القيام بقفزة نوعية في المساهمات المقدمة إلى صندوق الأمم المتحدة لبناء السلام، فدعا إلى زيادة الاستثمار الحالي والبالغ 93 مليون دولار ليصل إلى 500 مليون دولار سنوياً. وحتى الآن، لم تُقدم الحكومات سوى 40 مليون دولار فقط، أي 8% مما دعا إليه غوتيريس. يُمثل المبلغ المتبقي مجرد جزءٍ ضئيلٍ مما ستضطر الأمم المتحدة والولايات المتحدة وقادة العالم الآخرون إلى إنفاقه إذا ما انغمست المزيد من البلدان في الصراعات والحروب.
بينما يجتمع قادة العالم لمعالجة التحديات الأمنية الأكثر إلحاحاً في العالم، بما في ذلك الأزمة القائمة في اليمن والمعركة الوشيكة في محافظة إدلب السورية، يتعين عليهم مقاومة إغراء التركيز على الأزمات الحالية فقط مع التقليل من أهمية أو تجنب المناقشات حول أسبابها الكامنة. ينبغي أن يكون منع الصراعات هو مسؤوليتنا الأساسية تجاه البشرية. وبصِفَتنا مجتمعاً عالمياً، لن نتمكن من التصدي للتحديات الأخرى في عصرنا- مثل معالجة أزمة اللاجئين غير المسبوقة، وإنهاء الفقر والحد من الجوع- دون منع العنف قبل بدايته أولاً.
دعونا نتعلم من الأزمات التي تحدث في اليمن وسوريا والعراق وغيرها، ونتخذ الإجراءات اللازمة الآن لدرء الصراعات العنيفة القادمة.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Washington Post الأميركية.
The post اليمن هو أسوأ كارثة إنسانية حالية .. هذه هي الوسيلة الوحيدة لإنقاذه appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.