مابريس
نظمت جمعية باحثات وباحثي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ندوة في موضوع “الأمازيغية: أسئلة الراهن والمستقبل”، وذلك بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية يوم الاثنين 27 ابريل 2015. الندوة الفكرية التي عرفت مشاركة ثلة من المهتمين بالشأن السياسي والثقافي والأكاديمي الوطني؛ وهم نذير المومني ورشيد الحاحي، وسعد الدين العثماني، وجمال الدين الناجي. وكان منتظرا أن يحضر كذلك محمد الساسي لولا اعتذاره في آخر لحظة.
هذا وقت تمت مقاربة موضوع هذه الندوة الفكرية حسب التوجهات الفكرية والسياسية لكل من المتدخلين. حيث تحدث الأستاذ رشيد الحاحي، المفتش التربوي والفاعل الجمعوي، عن السياقات السياسية التي تحكم وجهة نظره مبرزا في الآن ذاته أن ما تعرضت له الأمازيغية من تهميش مقصود طوال قرن من الزمن، يشكل هدرا كبيرا للإمكانيات البشرية والثقافية والتنموية للبلاد. داعيا إلى الإبتعاد عن منطق المراوغة والتحريف الذي يطبع تعامل الفاعل السياسي الحزبي مع الأمازيغية، واعتبارها معطى لا يرقى لمستوى الانشغالات الرسمية ومجالات حضور الثقافة العالمة. واستغرب رشيد الحاحي من طغيان هاجس الخوف من الأمازيغية وعدم مسايرة الإشارات السياسية مع التعاطي الواقعي الملموس وهذا الملف. واعتبر أن تعامل بعض المؤسسات الحزبية مع الأمازيغية لا يتعدى كونه انشغالا فرديا لبعض القياديين لا ترقى لمستوى المرحلة ولا تساهم إلا في جعل الأمازيغية موضوعا لتصفية الحسابات بين المعارضة والحكومة. كما قام رشيد الحاحي بتشريح مختلف الإشكاليات المتعلقة بإدماج الأمازيغية بالنظام التعليمي الوطني مبرزا مختلف الأسباب الكامنة وراء تعثر هذا المسار منذ بدايته إلى اليوم.
جمال الدين الناجي، الأستاذ الجامعي والخبير في قضايا الإعلام، ناقش موضوع الأمازيغية من وجهة نظر حقوقية معتبرا أن هذا الموضوع يندرج في إطار الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مناديا بجبر الضرر الذي لحقه ولحق شريحة مهمة من المواطنين جراء هذه الإنتهاكات. كما أسهب الأستاذ الناجي في تفصيل علاقة الأقلية والأغلبية بالبلاد انطلاقا من رصد الاختلالات السياسية والمؤسساتية التي أدت إلى خلق هذه الثنائية غير المتكافئة وأضرت بمستويات التعدد الوطنية وخاصة الأمازيغية. واعتبر ذات المتدخل أن الوثيقة الدستورية ل2011 هي بمثابة عقد ازدياد رسمي للأمازيغية رغم الحضور الدائم لهذا المكون في الفضاء العام عبر مختلف أشكال التقويض والتبخيس، وجعله ديكورا للتزيين وفلكلورا وشكلا دونيا. هذا فضلا عن الخلل الموجود في منهجية التعامل مع موضوع الأمازيغية في مختلف وسائل الإعلام منذ البداية، كما كانت لحظة إدماجها في المنظومة التربوية مناسبة تاريخية لإعادة النظر في مقولات الإصلاح التقليدية والإشكاليات التي يعرفها مجال التربية والتكوين.
وبدوره تحدث سعد الدين العثماني، الناشط السياسي ووزير الخارجية السابق، عن التأخير الحاصل في إخراج القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. واعتبر أن هذا الأمر هو نوع من التهميش القانوني للأمازيغية وأننا لم نبدأ بعد في تفعيل الدستور في هذا المجال. وأشار سعد الدين العثماني إلى بعض العناصر الإيجابية في السياق الراهن منها على وجه الخصوص التخلص من عنصر تملك الأمازيغية وجعلها اليوم شأنا لكل المغاربة. وذهب أيضا إلى أن هناك توجسا وتهيبا من الفاعل السياسي تجاه موضوع الأمازيغية يؤدي إلى التأجيل المستمر وهذا سبب كل هذا التأخير، هذا فضلا عن تعدد المتدخلين في مختلف الملفات المطروحة وكثرتها واستعجاليتها التي تأتي على موضوع الأمازيغية. واقترح استحضار الفاعل السياسي في أنشطة المجتمع المدني الأمازيغي بغية تقريب وجهات النظر في هذا الموضوع. وأكد العثماني على الإمكانيات الكبيرة التي ستوفرها الجهوية الموسعة لخدمة الأمازيغية على المستوى الجهوي في الإعلام والمدرسة وغيرها.
أما الأستاذ الجامعي والخبير في القانون نذير المومني، فقد قدم وجهة نظر أكاديمية قانونية في موضوع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. وقال أن هناك معطى واقعيا سلبيا في ذات الموضوع هو التأخر الكبير غير المبرر في إخراج هذه القوانين. كما سرد مجموعة من القوانين والعهود الدولية الملزمة على احترام التعدد في جميع ابعاده وتمظهراته، وتفرض على الدول الإلتزام والتدقيق لاعتماد تدابير ملموسة مؤسساتية لتطبيق هذه القوانين. كما أكد على الإشارات السلبية الواردة في التقارير الأممية بخصوص عدم التزام المغرب بإخراج هذه القوانين وتأخيرها وعرقلتها. وطرح الأستاذ نذير المومني بعض الأسئلة الكبيرة من قبيل: بماذا يمكن تفسير تأخر صدور القوانين التنظيمية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؟ هل يتعلق الأمر بالتأخر أم بالتأخير والعرقلة والتأجيل المقصود؟ هل من الممكن تصور صدور قوانين كقانون الجهات والقانون الجنائي والقوانين الأخرى من دون تفعيل فعلي للطابع الرسمي للأمازيغية فيها؟ وما هي الإمكانيات المتاحة للتعامل مع تأخير صدور هذا القانون؟ هل كان الفصل الخامس من دستور 2011 نتيجة لتسوية سياسية فقط؟