أنا وحيدة أبي وأمي وتمنيتُ وجود إخوة لي.. لكن لماذا قررتُ أيضاً ألا أُنجب أكثر من طفل واحد؟
إليك طريقة جيدة لبدء محادثة مع أي شخص: عليك أن تخبره أنك طفل وحيد، ولدت لأب كان طفلاً وحيداً أيضاً، وقد قررت ألا تلد إلا طفلاً واحداً. فلأن تكون طفلاً وحيداً لهو أمر في حد ذاته غير اعتيادي. ثم أن يحدث هذا لجيلين متتاليين فهذا أمر نادر. لكن ثلاثة أجيال على التوالي؟ هذا هو المقابل النسَبي للحصان أحادي القرن.
أنا أعلم هذا؛ لأنني فرس أحادية القرن، فأمي كانت بلا إخوة، وأبي كذلك. (في الواقع، كان لأبي شقيقان، لكنهما كانا أكبر منه، وعاشا في ولاية مختلفة، وكانت علاقتهما بأبي ضعيفة للغاية حتى إنني لم أر أياً منهما قط). ولهذا، فأنا لا أملك أعماماً أو أخوالاً، ولا أملك كذلك أي أبناء عمومة أعرفهم، أنا لا أملك أي أقارب.
وبعد أن يستوعب سامعك كلامك، سيكون عادةً أول ما يخرج من فمه أن يسألك: «لماذا قررت إذاً ألا تنجب إلا طفلاً واحداً؟» في الواقع لا يزعجني السؤال، لكني أدركت أن السؤال يحمل في طياته افتراضين يناقض أحدهما الآخر، فأولهما أنه لا بد أن يدفعني لذلك سبب ما. فقد ترسخت في مجتمعنا فكرة أنه بما أن معظم الناس لديهم أقارب، لا بد إذاً أن يكون امتلاك الأقارب أفضل من عدمه، مما يضطر أشخاصاً مثلي إلى أن يبرروا قرارهم، بل وأن يدافعوا عنه بعنف أحياناً.
اقترب ذات مرة غريب من صديقة لي كانت في أحد متاجر تريدر جوز (Trader Joe’s) تشتري بعض الكوسة، وأخبرها أنها إن لم تنجب طفلاً ثانياً، فستفسد بذلك حياة ابنتها.
لكن على الجانب الآخر، فإن انحيازنا واعتيادنا على وجود الأقارب قوي للغاية لدرجة أن بعض الناس يفترضون أن قرار إنجاب طفل واحد لا يمكن أن يكون نابعاً عن اختيار عقلاني. لا بد أن يكون هناك مشكلة ما في الخصوبة أو في الصحة، أو ربما مشكلة متعلقة بعمر الأم، أو خلاف ما أو طلاق أو حتى عدم القدرة على تحمُّل نفقات طفل آخر.
في الواقع، هناك الكثير من الأسباب المحتملة لقرار كهذا، بعضها اختياري وبعضها يفرض فرضاً. بالنسبة لي، كان قرار التوقف عن الإنجاب بعد الطفل الأول أسهل من قراري بالإنجاب أولاً، فقد كنت مرعوبة للغاية مما يمكن أن تسببه الأمومة لي على المستوى الجسدي والنفسي، حتى أنني بقيت في غمّ من الأمر لسنين.
ففي حين تطلب قراري بأن أصبح أماً قدراً هائلاً من الإيمان، فإن حقيقة كوني طفلة وحيدة جعلت من قراري بإنجاب طفل وحيد أسهل مما كان يمكن أن يكون عليه الأمر لو لم أكن كذلك. لكن هذا لا يعني أن الأمر كان بسيطاً. فهنالك شيء من الحزن لا بد منه حين تدرك، أن باختيارك فتح بابٍ ما، فإنك تغلق باباً آخر إلى الأبد.
في حالتي، سيكون سهلاً عليَّ أن أدعي بأن قراري كان نابعاً مما هو خارج إرادتي. فأنا أعاني من مرض مزمن وغير قابل للشفاء، ألا وهو السكري من النوع الأول، والذي غالباً ما يشعرك التحكم فيه بأنه وظيفة بدوام كامل. ثم جاء حملي بطفلتي ليكون صعباً جسدياً ونفسياً وانتهى على غير المتوقع بانفصال مبكر للمشيمة تطلب إجراء ولادة قيصرية قبل خمسة أسابيع ونصف من ميعادها المفترض. ثم إنني أقترب من الأربعين. ومن ثم فإن حملاً آخر يبدو لي منفراً ومرعباً وبغيضاً.
لكن حتى بالرغم من أن هذه الأسباب تكفي لتبرير قراري بعدم الإنجاب (بل وحتى تكفي لجعل قراري محسوماً)، فهي ليست ما دفعني لاتخاذ القرار. فحتى لو كان بنكرياسي سليماً وكان حملي السابق سهلاً وكان أمامي سنوات من الخصوبة، فسيبقى قراري بإنجاب طفل واحد كما هو.
حقيقة أن كوني طفلة وحيدة وفي نفس الوقت لم ينتهِ بي الأمر تعيسة جعلتني موضوعاً للدراسة عند أصدقائي المترددين في ما إذا كان عليهم إنجاب طفل ثان (معظمهم يقرر في النهاية إنجاب طفل ثان، أحاول ألا آخذ الأمر على محمل شخصي). وكنتيجة لذلك فأنا على اطلاع جيد على الحجج الداعمة والرافضة لإنجاب طفل واحد، وقد فكرت في جميع تلك الحجج.
فبغضّ النظر عن أولئك الذين يعلمون يقيناً أنهم يريدون عدة أطفال، فإنني قد وصلت إلى نتيجة أن التردد الذي ينتاب الكثير منا حيال إنجاب طفل آخر لمدفوع أساساً بالخوف، الخوف من أن حياة الطفل بدون إخوة أو أقارب ستكون وحيدة وتعيسة، ثم الخوف من الندم؛ إذ يصير القرار أصعب حين تواجه حقيقة أنه قرار لا يمكنك العودة فيه، ففي آخر مرة تحققت فيها كانت سياسة إعادة منتج الأطفال صارمة بشدة.
كنت متقدمة بخطوة على من سواي بالنسبة للمشكلة الأولى؛ إذ كنت أنا نفسي طفلة وحيدة. فيسعدني القول بأن معظم المخاوف المعتادة لا تقلقني. فأحد الأشياء العظيمة التي تصاحب كونك طفلاً وحيداً، وفي الواقع هناك الكثير من الأشياء العظيمة، هو أنك تعتاد على تمضية الوقت وحدك مما يزيد من خصوبة خيالك، بالإضافة إلى أنك تتعلم كيف تكون علاقات وصداقات مع أناس من كافة الأعمار.
فحين كنت طفلة، كان لديَّ أصدقاء من نفس عمري، لكني أيضاً كنت مرتاحة في التعامل مع البالغين، وقد شكلت صداقات دائمة مع جيران أكبر منّي سناً. فالقدرة على التعامل مع عدة أجيال مهارةٌ تصبح أكثر قيمة بالنسبة لي كلما كبر عمري.
لا يقلقني ألا تتكيف ابنتي اجتماعياً، بل على النقيض، أؤمن أن تجاربي الخاصة كطفلة وحيدة جعلتني أفضل في قدرتي على التكيف مع المواقف الاجتماعية المختلفة. وعلاوة على ذلك، عدم اضطراري إلى التنافس مع إخوتي أعطاني نوعاً من الثقة والأمان الداخلي، الذي بدوره أشعرني بحاجة أقل للمنافسة أو للتقليل من شأن الآخرين.
وأيضاً لا يقلقني أنها ستصير فتاة شقية ومدللة، بالتأكيد، إن حقيقة كونها وحيدة تعني أننا سنتمكن من توفير فرص لها أكثر مما كان سيتوفر لها لو أنها كانت تمتلك إخوة. لكن أن تكون محظوظة لا يعني أن تكون مدللة، وأن تكون الطفلة شقية هو أمر يرتبط أكثر بكيفية تنشئتها، لا امتلاكها إخوةً من عدمه.
إن استراتيجيتي في ألا ينتهي بي الأمر مع طفلة أنانية بغيضة بسيطة للغاية: ألا وهي أن أربيها على ألا تكون أنانية بغيضة. (وهذه فائدة أخرى في أن تكوني أماً لطفل واحد: لديك الكثير من الوقت للقراءة عن تطور الطفل والفلسفة التعليمية).
في الواقع، أقلق أحياناً من أن ابنتي ستضطر للاعتناء بنا حين نشيخ، وأن تصير وحيدة حين نموت أنا وزوجي. (الأزمات الوجودية هي أحد الأشياء التي أحسن التعامل معها). وقد لاحظت أيضاً أن شكّي في قرارنا يزداد وينقص بالتزامن مع قلقي حول صحة والديَّ. لكن بالنسبة لي، يبقى أكبر مصادر قلقي هو الخوف من الندم في المستقبل. فلا يهم إن كنت لا أهتم نهائياً بإنجاب طفل آخر في الوقت الحالي. فأنا أكره أن أتخذ قرارات لا أستطيع التراجع عنها، وأكره أن أغلق الأبواب إلى الأبد. وقراري في أن أنجب طفلاً أو ألا أنجب يتطلب مني فعل الأمرين.
ونتيجة لذلك، فإن حالة الفومو FOMO (أو الخوف من فوات الشيء) لدي قوية. هل أتساءل أحياناً كيف كان سيكون الأمر إذا كان لدي طفل آخر؟ أجل. هل أخشى أن نندم نحن وابنتنا، حين نكبر، أنَّا لم ننجب طفلاً آخر؟ أجل. هل أقلق من أن تخبرني طفلتي يوماً ما أنها تتمنى لو كان لديها أخ أو أخت؟ أجل.هل أظن أنه سيكون لطيفاً لو كان لديها شقيق/شقيقة مقرب منها، يكون معها طوال حياتها، ويعينها حين نموت؟ أجل، أجل، وأجل.
لكن هذه الأسئلة جميعها تعتمد على افتراضات لا ضمان لها. فهي تعتمد على أن هذا الطفل الثاني المتخيل سيكون بصحة جيدة، وعلى أن الأخوين سيشكلان علاقة جيدة مع بعضهما، وعلى أننا سنتمكن من توفير نفس الاهتمام والفرص التي سنوفرها لطفل واحد، للطفلين معاً. بعبارة أخرى، هي أسئلة تعتمد على تخيلات، والتخيلات ليست أساساً ذكياً تبني عليه قراراً تترتب عليه نتائج. فما أعلمه يقيناً أن إنجابنا طفلاً آخر سيؤثر على طريقة تعاملنا الحالي مع الحياة، وأنه سيكون من المستحيل أن نضيف شخصاً جديداً إلى عائلتنا دون أن نخاطر بفقدان ما نملكه بالفعل (وهذا كان أحد الأسباب التي كانت تخيفني من الإنجاب ابتداءً).
فبدلاً من أن أغرق في الفومو، أحاول أن أهتم أكثر بالجومو JOMO (أو متعة فوات الشيء). هذا يساعدني على تقبل واقعي الحالي، بدلاً من أن تعذبني الـ «ماذا لو».
حالياً أنا سعيدة. فلدي طفلة صغيرة مرحة وواثقة من نفسها وعطوفة ولطيفة. وأنا وزوجي نتمتع بعلاقة متحابة ولدينا الوقت والطاقة لنرعاها. وأنا أملك حياة مهنية مثيرة ومرضية، وتمكنت كذلك من الحفاظ على مهنتي الخلاقة، كل ذلك ساعدني في أن أصبح الشريكة والأم والشخص الذي أردت أن أكونه.
الأمومة/الأبوة هي أهم وظيفة يمكنني تصورها، وفي أغلب الأوقات، أشعر أني أستطيع أن أرقى بها، أي الأمومة/الأبوة، إلى معاييري الخاصة، في حين أحافظ على الوقت اللازم للاهتمام بنفسي. وصف صديق لي مرة بأن الأمومة/الأبوة فيها قليل من المتعة وكثير من البهجة. وبصفتي أماً لطفل واحد، أشعر بأني أختبر الشعورين.
مع هذا، فإني أشعر في معظم الأيام أن إحساسي بالتوازن معلق بخيط رفيع. فحين أنام أقل من المعتاد ساعة واحدة تتعطل قدرتي على أن أكون منتجة (وسعيدة) أثناء اليوم. وحين أفشل في أداء تدريباتي اليومية أصاب بالنكد ويتأثر معدل السكر في دمي. أقلق حيال المال وحيال احتياجاتنا اليومية. ودائماً أعمل بمعدل 99% من طاقتي، مما يعني أني لا أمل أو أضجر أبداً، ولكنه يعني أيضاً أني واقفة باستمرار على حافة تحملي لما هو فوق طاقتي.
أنا متأكدة بأن إنجاب طفل ثان سيصاحبه الكثير من الأشياء الرائعة، لكني أيضاً أخاف- بناء على خبرتي وعلى معرفتي بنفسي- من أن هذا سينقلني من حالة الانشغال مع الإنجاز والسعادة، إلى حالة الإنشغال مع الإرهاق الدائم والقلق المستمر.
لكن هل سأتمكن من الاستمرار (مع طفل ثان)؟ بالتأكيد. لكن إن قدم إليّ خياران؛ يتضمن أحدهما الحفاظ على الحياة التي صنعتها لنفسي، أما الآخر فيتضمن أن أقوم بما أعلم أنه سيهدد توازن حياتي ويزيدني قلقاً وجهداً، فسأختار الخيار الأول. وعلى خلاف الكثير من التحديات التي واجهتني على غير إرادة منّي، على سبيل المثال إصابتي بالنوع الأول من السكري، فأنا أملك الخيار في هذا.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Medium
The post أنا وحيدة أبي وأمي وتمنيتُ وجود إخوة لي.. لكن لماذا قررتُ أيضاً ألا أُنجب أكثر من طفل واحد؟ appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.